الوجود خير محض ـ على ما هو المشهور ـ ، فهو ـ تعالى ـ خير محض إذ الشرّ ليس إلاّ العدم ، ولا يمكن صدور العدم عن الوجود ـ على ما هو طريقة الحكماء ـ. أو انّه ـ تعالى ـ واحد محض منزّه عن شوائب الكثرة والتركيب وكلّ فاعل فعل يجب أن يكون
بينهما مناسبة لا محالة ، والواجب ـ سبحانه ـ قد فعل خيرات كثيرة ظاهرة ، فلو صدر منه ـ سبحانه ـ مع ذلك شرّ أو ظلم لزم اشتمال محض الأحدية الخالصة على كثرة متقابلة.
وأجيب عن تلك الشبهة بوجوه ثلاثة :
أحدها : انّ الشرور الواقعة في العالم انّما هي شرور اضافية ـ أي : وجودات توصف بالشرّ بالإضافة ، كوجود النار في الثوب مثلا ومصادفة القاطع للعضو المقطوع ـ ، وهذه الشرور وإن استدعت علّة موجودة لكن هذا الاستدعاء من حيث أنّها خيرات لا من حيث أنّها شرور ، فهي من حيث كونها شرورا مجعولة وصادرة من المبدأ الّذي هو صرف الوجود بالعرض لا بالذات. ولا استحالة فيه ، انّما المحال صدور الشرّ عن الخير المحض بالذات ، ولم يلزم ذلك.
والتوضيح : انّ هذه الأمور الّتي تظنّ أنها شرور ـ مثل الأمراض والاسقام والمصائب والاعدام ـ فانّها وان كانت من وجه شرورا ولكنّها لازم خيرات كثيرة لو تركت لتركت هذه ، وهو ـ سبحانه ـ لا يفعلها من حيث أنّها شرور بل انّما يفعلها من حيث انّها خيرات. فهي من الحيثية الّتي بها صدرت عنه ـ سبحانه ـ انّما هي خيرات كثيرة وإن كانت باعتبار آخر شرورا قليلة. مثال ذلك انّ سآمة لو لصغت اصبعا واحدة من انسان لو تركت تلك الاصبع ليسري السمّ إلى بدنه كلّه وادّى إلى قتله ، فالطبيب الحبيب يقطع الاصبع البتة لينجيه من الموت. فالقطع وان كان من حيث فقد الاصبع ووجدان الألم شرّا لكن الطبيب لم يفعله من هذه الجهة ، بل انّما فعله من حيث هو سبب الحياة ، فهو انّما يفعل خيرا كثيرا لو لم يفعله لكان قد فعل اذن شرّا كثيرا. وعلى هذا فجميع الشرور الوجودية الواقعة / ١٠٠DA / في العالم شرور اضافية واقعة في القضاء الإلهي بالعرض ولا يوجد شرّ يكون متعلّقا لارادته ـ تعالى ـ بالذات ـ لا كثير و