الإرادة وغيرها من الصفات الكمالية إذا كانت عين ذات الواجب عند الحكماء والمعتزلة كانت الذات والقدرة والإرادة والعلم بالأصلح ـ وبالجملة جميع ما يتوقّف عليه وجود العالم ـ قديما ، لأنّ جميع تلك الصفات عين الذات والذات موجودة في الأزل ، فيلزم منه قدم العالم ، / ٧٣DA / لأنّ الذات مع الإرادة الّتي هي عينها علّة تامّة للعالم وانفكاك العلّة عن المعلول محال ، فالحكم بانفكاك إرادة الواجب ـ تعالى ـ مع كونها أزلية غير زائدة على الذات عن وقوع متعلّقها ووجود مرادها وبعدم صدور الفعل عنه ـ تعالى ـ في الأزل ـ اللازم لمعنى القدرة المتنازع فيها ، كما هو مذهب المتكلّمين ـ باطل ، ويلزم منه ثبوت الايجاب الملزوم له ونفي القدرة بالمعني الثالث ـ أي : الملزومة للحدوث ـ.
ولمّا وجب الفعل بالإرادة والإرادة عين الذات فيجب الفعل بالنظر إلى الذات فتنتفي القدرة بالمعنى الثاني أيضا. والحاصل : انّ الوجوب بالاختيار والإرادة الّتي غير زائدة على الذات ينافي القدرة والاختيار الّذي هو مراد المتكلّمين ـ أعني : القدرة بالمعنى الثاني والثالث ـ. نعم! الوجوب والاختيار والإرادة الّتي هي غير زائدة لا ينافي القدرة والاختيار والإرادة على تفسير الحكماء ـ أعني : القدرة بالمعنى الأوّل ـ بمعنى انّه ان شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل ، لكنّه شاء في الأزل ففعل فيه بالعلم والمشية القديمة الّتي هي غير زائدة على الذات. ولا على العلم بالنظام الأعلى ، فانّ مقتضى الإرادة الموجبة ليس وجود العالم مطلقا حتّى يمتنع بها الانفكاك مطلقا ، بل هو وجوده على النحو الخاصّ ـ : وهو النحو الأصلح بحاله ـ ، فيمتنع انفكاك المراد على ذلك النحو عن الذات بان يوجد عنه على غير ذلك النحو أو لا يوجد على ذلك ، فانفكاك الذات عن المراد بان يوجد الذات في الأزل ولا يكون الوجود الأزلي للفعل هو مقتضى الإرادة والأصلح بحاله. فلا يمتنع بالذات ولا علّة لامتناعه. والغرض انّ متعلّق ارادته ـ تعالى ـ ومراده ـ سبحانه ـ هو ايجاد الحادث على النحو الّذي هو الاصلح ، لأنّ مرجّح أصل ايجاد الحادث وحدوثه في الوقت الّذي حدث إنّما هو العلم بالأصلح ، فالمعلول المراد الّذي تعلّق به العلم بالأصلح هو الحادث في وقت معيّن لا القديم الأزلي ،