يظنّ بافلاطن وسقراط ومن في مرتبتهما من أفاخم الفلاسفة وائمّتهم انّهم يثبتون الحدوث الزماني للعالم الأكبر ويقولون : انّ نفس الزمان ومحلّه وحامل محلّه والجواهر العقلية المفارقة مسبوقة الوجود بالزمان وحاصلة الذات في الزمان؟! ، وليس يتفوّه بذلك من في دائرة العقلاء والمحصّلين (١)! ؛ انتهى.
ومراده ـ رحمهالله ـ انّه لا ريب في وقوع التنازع بين الحكماء في الحدوث ، ولا يجوز أن يكون تنازعهم في الحدوث الذاتي والزماني ـ لما ذكره ـ ، فيظهر منه أنّ المتنازع فيه بينهم هو الحدوث الدهري ، فيكون ممّا قال به بعضهم ونفاه الآخرون. وقد صرّح بمثل ذلك بعض المحققين حيث قال بعد نقل اقسام الحدوث وحصرها في الذاتي والدهري والزماني : وليس النزاع في هذه المسألة بين بعض الحكماء والمتكلّمين في الأوّل ، إذ الحكماء أيضا قائلون بالحدوث الذاتي ، ولا في الثالث ، لأنّ هذا النزاع انّما وقع بين العقلاء والعاقل لا يقول انّ العام بتمام اجزائه مسبوق بالعدم الزماني وزمان عدمه جزء من اجزائه ، بل انّما النزاع في الثاني. فذهب المتكلّمون والمحقّقون من الحكماء إلى أنّ وجود العالم مسبوق بعدم صريح واقعي خارجي ، والباقون من الحكماء قالوا : انّ انواع العالم لا يمكن أن تكون مسبوقة بالعدم الخارجي ، وقالوا : هذا القول لا يستلزم ازلية العالم وسرمديته وكونه قديما بالذات ، لأنّه مختصّ به ـ تعالى ـ ، اذ الازلية هو عدم المسبوقية بالعدم مطلقا والعالم وإن لم يكن مسبوقا بالعدم الصريح إلاّ أنّه مسبوق بالعدم الذاتي ؛ انتهى.
وقال بعض الأفاضل : انّا لا نسلّم انّ المتنازع فيه بين الحكماء هو الحدوث الدهري ، بل المتنازع فيه انّما هو الحدوث الذاتي ، وكونه متفقا عليه بينهم ممنوع ـ وإن كان نسبة الخلاف إلى ارسطاطاليس وامثاله من خطاء الناظرين في كلامهم وعدم فهمهم لما هو مرادهم ، على ما حقّقه الفارابي في الجمع بين الرأيين (٢) ـ ، بل الظاهر ـ كما يشهد به الفحص ـ انّه كان التكلّم في الحدوث الذاتى والمناظرة فيه شائعا بينهم ، فلعلّه
__________________
(١) راجع : القبسات ص ٢٥.
(٢) راجع : الجمع بين رأيي الحكيمين ، المسألة الحادي عشر ص ١٠٠.