أصلح للصدور ، وانّ العلم بالأصلح هو موجب. ولا ريب في كون الإرادة عنده عين الذات والعلم بالأصلح ـ كما هو الحقّ المنصور ـ ؛ ولكن في كون علّة التخصيص عنده هو العلم بالأصلح وكونه موجبا للصدور ، ففيه تأمّل ؛ لأنّ قوله في بحث الجواهر حيث قال : واختصّ الحدوث بوقت إذ لا وقت قبله (١) يدلّ على انّ علّة التخصيص هي امتناع الوقت قبل ذلك الوقت.
قيل : الظاهر انّ ما دعا الأكثر إلى الاعتقاد بانّ المرجّح على سبيل الوجوب عنده هو العلم بالأصلح قوله في آخر مقصد اثبات الصانع وصفاته : والأصلح قد يجب على الله تعالى ـ لوجود الداعي وانتفاء الصارف (٢) ؛
وفيه : انّ المراد بالوجوب هناك هو ما يذمّ تاركه عقلا ، والمراد به هنا هو ما يمتنع عدمه لتعلّق العلّة المستقلّة للوجود ، فهو خلط بين وجوب الأصلح بالمعنى المراد هناك وبين وجوب الأصلح بالمعنى المراد هنا.
والظاهر انّ ما دعا الأكثر إلى نسبة ما نسبوه إليه هو ما صرّح به في مبحث الإرادة من التجريد : بأنّ الإرادة عين الداعي (٣) والداعي عنده هو العلم بالأصلح. وفي شرح الرسالة : انّ حيثية قدرته ـ تعالى ـ وحيثية علمه بمقدوره لا يتغايران إلاّ بمحض الملاحظة العقلية ، وتوهّم تكثّرهما قياسا على الممكن خطاء ؛ والتنزيه أن يقال : ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٤). ثمّ قال : والإرادة اخصّ من العلم والمتكلّمون ذهبوا إلى اثباتها ؛ فمنهم من قال : انّها صفة زائدة على العلم قديمة أو محدثة بها يتخصّص المراد من المعلوم ؛ ومنهم من قال : أنّها علم خاصّ بما في وجود المخلوقات من المصالح الراجعة إليهم ، وهو الداعي للايجاد. والحكماء زعموا أنّها العلم بنظام الكلّ على الوجه الأتمّ. وإذا كانت القدرة والعلم سببا واحدا مقتضيا لوجود
__________________
(١) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الثاني ؛ كشف المراد ص ، ١٢٩.
(٢) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الثامنة عشر من الفصل الثالث من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٧٠.
(٣) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الرابعة من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢٣.
(٤) كريمة ١٨٠ ، الصافّات.