والاستدلال عليه بما تقدّم لا يخلوا من الاختلال بوجوه :
منها : انّه يلزم النقض بصورة الاختيار ، فلقائل أن يقول : تأثيره ـ تعالى ـ ان لم يكن بالايجاب بالمعنى المذكور بل بالاختيار المقابل له ـ أعني : جواز الانفكاك ـ لزم ترجيح الفاعل بدون المرجّح أو احتياج التأثير إلى شرط حادث بناء على ما ذكر من انّه لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث ويلزم التسلسل في الشروط الحادثة متعاقبة أو مجتمعة ، بل له أن يقول : انّ العالم قديم ، إذ لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث لئلاّ يلزم التخلّف عن الموجب التامّ ـ كما ذكر في الاستدلال ـ أو تخلّف العلّة التامّة عن المعلول ، وذلك الشرط الحادث يتوقّف أيضا على شرط حادث آخر ويلزم التسلسل ، وهو باطل.
ولو أجيب بأنّ في صورة الاختيار يكفي أحد المرجّحات المذكورة من ذات الوقت أو المصلحة أو العلم بالأصلح لترجيح وقت خاصّ ، يرد عليه : انّ في صورة الايجاب بهذا المعنى أيضا يكفي ذلك ، إذ الموجب بهذا المعنى يجوز أن يكون عالما بالاصلح ويكون علمه منشئا لفعله ، ولا ينافي ذلك الايجاب بهذا المعنى ـ أي : امتناع الانفكاك ـ. والحاصل : انّ القول بأنّ الشيء لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث باطل عند المعتزلة القائلين بالداعي ـ سواء كان الفاعل / ٥٧MA / موجبا بهذا المعنى أو مختارا كذلك ـ ، فانّهم قالوا : انّ الداعي بأيّ معنى أخذ كاف في تخصيص ايجاد الحدوث بذلك الوقت ولا حاجة إلى شرط حادث.
وتفصيل مذاهب المعتزلة في الداعي وكيفية الحدوث : انّ المحقّق الطوسي قائل بأنّ العالم حادث ولا يتوقّف إلاّ على ذاته ـ تعالى ـ وعلمه بالأصلح وارادته اللذين هما عين ذاته ـ تعالى ، كما نسب إليه في المشهور وأشرنا إلى ما فيه ـ ، والعلم بالأصلح كاف في ترجيح آن الحدوث. وليس توقّف الحادث على شرط حادث مسلّما عنده ولا لازما ، لفرض الايجاب المتنازع فيه بينه وبين الحكماء الّذي هو في قوّة فرض القدم. وكيف يجوز استعمال مقدّمة في الاستدلال غير مسلّمة عند المستدلّ ولا لازمة لفرض نقيض مدّعاه؟!.