وجب صدورها عن الواجب ، لأنّ ترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شرّ كثير ؛ فلا ينبغي وقوعه من الحكيم.
والفرق بين هذا الوجه والوجه الأوّل : انّ في هذا الوجه التزم وقوع الشرّ في القضاء الإلهي بالذات ، إلاّ أنّه قيل : انّ ما نفع (١) شرّ قليل تركه يوجب ترك الخير الكثير ، فلا مانع من استناده إليه ـ تعالى ـ ؛ وفي الوجه الأوّل لم يلتزم وقوع الشرّ اصلا في القضاء الإلهي بالذات ، ومنع استناد الشرّ بالذات ـ كثيرا كان أو قليلا ـ إليه ـ سبحانه ـ.
بل قيل : انّ ما يقع من الشرور في القضاء الإلهي فوقوعه بالعرض ، والتزم عدم المنع في الوقوع بالعرض. فعلى هذا الوجه ـ أي : الوجه الثاني ـ فدفع شبهة الثنوية : انّ الواجب ـ تعالى ـ مبدأ لأشياء خيريتها غالب ، ولا بأس بصدور ما فيه غلبة الخير عنه ـ تعالى ـ وإن وجد فيها شرّ قليل. فمن حيث انّ تلك الشرور شرور قليلة خيريتها غالبة لا يلزم فساد في استنادها إليه ـ تعالى ـ ، ومن حيث استنادها إليه ـ تعالى ـ دون غيره لا يرد وهن على عموم قدرته ـ سبحانه ـ.
وغير خفيّ انّ شبهة الثنوية بالتقرير الأوضح المذكور اشتملت على تعليلات ثلاثة لعدم جواز مبدئية الواجب للشرّ ، فعلى هذا الوجه وان اندفعت الشبهة بالتعليل الأوّل إلاّ أنّها لا تندفع بالتعليلين الأخيرين ، إذ حاصل الشبهة على التعليل الثاني انّ الواجب ـ تعالى شأنه ـ صرف الوجود ومحض الموجود الخير ، فيمتنع أن يصير مبدأ للشرّ ـ سواء كان قليلا أو كثيرا ـ ، اذ الشرّ إمّا عدم أو تابع له وراجع إليه ، فكيف يمكن أن يحصل العدم عمّا هو موجود محض لا عدم فيه بوجه من الوجوه؟!. وحاصلها على التعليل الآخر انّ الواجب ـ سبحانه ـ واحد بسيط من جميع الجهات مناسب للخير وإن كان بهذه المثابة يمتنع صدور الشرّ عنه لعدم المناسبة ـ سواء كان كثيرا أو قليلا ـ.
والقول بأنّ ترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شرّ كثير ، مغالطة في هذا
__________________
(١) كذا في النسختين ؛ والظاهر : + وفيه.