القدرة بهذا المعنى ـ بأن يبدّل « الممكن » في موضوع الصغرى « بالموجود » ـ لتمّ ولا يرد عليه شيء ممّا أوردناه ، بل هو في الحقيقة ما ذكرناه من انّ بعد اثبات التوحيد وحدوث العالم لا خفاء في كون جميع الموجودات مستندة إليه ـ تعالى ـ بلا واسطة أو بواسطة. وعلى ما ذكر يمكن أن يجعل مدّعى المستدلّ المذكور انّ كلّ ما يصلح لتعلّق ايجاد الغير به فهو مقدور له ـ تعالى ـ بواسطة أو بلا واسطة ؛ وحمل كلامه على ذلك ممكن ، بل وهو ظاهر الانطباق عليه. فان خصّ الغير حينئذ بالغير الموجود اندفع عنه الايرادان معا ، وإن لم يخصّ به فلا شبهة في اندفاع الايراد الأوّل عنه وإن أورد عليه الايراد الثاني ؛ انتهى ما أورد بتغيير اقتضاه الايضاح.
ووجه الاندفاع : انّ بعد ما ثبت انّ كلّ ممكن محتاج إلى مؤثّر فكلّ ممكن يتعيّن ويتميّز في لحاظ العقل أو في حاقّ الواقع ونفس الأمر يتميّز ويتشخّص له أيضا في أحد الطرفين ما يصلح للتأثير فيه وكونه موجدا له ، فاندفع الايراد الأوّل.
ثمّ إذا كان الصالح لتأثيره فيه وايجاده له معدوما والصالح لايجاد هذا المؤثّر أيضا معدوما ... وهكذا ، فامّا تنتهى سلسلة هذه المعدومات إلى الواجب أو لا ـ بل تذهب إلى غير النهاية ـ ، فعلى الأوّل يثبت المطلوب أيضا ؛ وعلى الثاني نقول : انّ مجموع تلك السلسلة المعدومة الغير المتناهية بحيث لا يشذّ عنه شيء ـ لامكانه ـ ، فيحتاج إلى مؤثّر ـ أي : إلى ما يصلح للتأثير فيه ـ. فهذا المؤثّر إن كان واجب الوجود بالذات يثبت المطلوب أيضا ؛
وإن كان غيره فإمّا أن يكون موجودا فيثبت المطلوب أيضا ـ لانتهاء جميع الممكنات الموجودة إليه تعالى ـ ،
وإن كان معدوما لزم الخلف ، لأنّا اخذنا جميع سلسلة الممكنات المعدومة بحيث لا يشذّ عنها شيء.
ثمّ ما ذكره أخيرا من امكان اجراء الاستدلال المذكور في اثبات عموم القدرة بمعنى شمولها لجميع الموجودات وتخصيص مدّعى القائل به ، ففيه : انّ ثبوت عموم القدرة بهذا المعنى أمر بديهي لا ريب فيه ، وانّما المهمّ بين العقلاء اثبات شمولها لجميع