ذهب بعضهم إلى القدم بذلك المعنى أيضا وإن لم يظنّ ذلك في شأن أرسطاطاليس وأمثاله.
وأمّا المتكلّمون فلا شكّ انّ غرضهم اثبات الحدوث الزماني أيضا ولا استبعاد فيه ، إذ مرادهم بالعالم ما سوى ذلك الامتداد الموهوم ، فانّ المراد به ما سوى الواجب ـ تعالى (١) ـ من الموجودات ، والامتداد المذكور لا وجود له ، فلا اشكال من جهة الزمان.
وأمّا محلّه ـ أي الحركة ـ وحامل محلّه ـ أعني : الافلاك ـ فلا محذور في القول بحدوثها زمانا على رأيهم ، فانّهم لا يقولون بالحالية والمحلّية المذكورة ـ أي : كون الزمان حالاّ في الحركة والحركة محلاّ له ـ ، بل انّما هو رأي الحكماء. وأمّا الجواهر العقلية فالعقل لا يقول به المتكلّمون (٢) ، والنفس لمّا كان فيها جهة مادّية فيمكن أن يطلق عليها الحدوث الزماني بهذا الاعتبار ، على أنّه يمكن أن يقال : انّ كونها حادثة بمعنى انّه كان زمان لم يصحّ فيه أن يقال : أنّها موجودة على وجه يصحّ الآن / ٣٩MB / ذلك ، بل قد ظهر انّه يمكن القول بكونها زمانية ـ أي : مقارنة للزمان ـ ، وحينئذ لا اشكال أصلا ؛ وهذان الوجهان يجريان في العقل أيضا على القول بوجوده ـ كما لا يخفى ـ ؛ انتهى.
وما ذكره هذا الفاضل أخيرا من جواز مقارنة المجرّدات من النفوس والعقول للزمان ، فيأتي ما فيه.
وأمّا تحقيق انّ النزاع بين الحكماء في أيّ معنى من معاني الحدوث وأيّ معنى متفق عليه بينهم ؛ فاعلم! انّ المشهور بين القوم انّ افلاطون قائل بالحدوث الزماني للعالم بأسره ، وأرسطو قائل بالقدم الزماني لأصوله وكلّياته (٣). وتوهّم جماعة انّ مذهب ارسطاطاليس انّ العالم قديم بالذات ـ أي : غني بذاته ـ كما يقوله الملحدون.
وقد دعاهم إلى هذه النسبه كلمتان منه في اثولوجيا : إحداهما ما قال : انّ الزمان نفسه ، والهيولى والعالم الأعلى ليس لها بدء زماني ؛ والثانية ما قال في بيان المطلب الجدلي : انّه يمكن أن يكون مطلب يحتاج على كلى طرفيه بقياسات جدلية مثل العالم هل هو
__________________
(١) راجع : الاربعين ج ١ ص ١٩.
(٢) هذا قول جماعة من المتكلّمين. راجع : كشف المراد ص ١٣١.
(٣) راجع : القبسات ص ٢٤.