وجوابه : بعد مطالبة وجه تخصيص الاعتراض بالعدم! ، لانّ الوجود مثله في عدم التميّز في الخارج وعروضه في الذهن ، لما حقّق في موضعه انّ تساوي نسبة الوجود والعدم إلى ذات الممكن انّما هو في العقل ، بمعنى أنّ العقل إذا لاحظ الممكن والوجود والعدم يحكم بتساوي نسبتهما إليه : وهذا لا يقتضي أزيد من تمايزهما في العقل ، وثبوته فيه لا يقبل المنع. ومعنى تساوي النسبة المذكورة هو عدم اقتضاء ذات الممكن شيئا منهما ، لا اقتضاء تساويهما حتّى يرد امتناع رجحان الوجود أو العدم حينئذ لعلّة خارجة شيئا ، لانّ ما به الذات لا يتخلّف ، والمتنافيين يمتنع اجتماعهما ولو بالف علّة!
وثالثها : أنّه لو اتّصفت ماهيّة بالامكان لوجب اتّصافها به ، وإلاّ لزم زواله عنها ، وهو محال ، لانّه من لوازم ماهيّة الممكن فلا يزول عنها. وإذا وجب الاتّصاف وجب اتصافها بذلك الوجوب أيضا وكذلك بوجوب الوجوب وهكذا ، فيتسلسل الوجوبات إلى غير النهاية. وهذه الشبهة جارية في أكثر المفهومات ـ كالقدم والحدوث والاتصاف واللزوم والوحدة والحصول إلى غير ذلك من المفهومات الاعتبارية الّتي تتكرّر نوعها ـ. مثلا يقال : لو لزم شيء لشيء للزم لزومه أيضا ، وكذا لزوم لزومه وهكذا ، فيتسلسل اللزومات إلى غير النهاية وإلاّ لزم الانفكاك بين اللازم والملزوم ؛ وقس عليه غيره! ؛
واجيب عنه : بانّ مثل هذا التسلسل التسلسل في الأمور الاعتبارية ، ولمّا كان تحقّقها بحسب اعتبار العقل فيترتّب السلسلة ريثما اعتبرها العقل يمكنه اعتبارها غير متناهية لعدم قدرته على دوام الاعتبار ، فينقطع بانقطاع اعتباره ؛ على أنّ فرض دوام اعتباره غير مفيد ، لتناهى ما ينتهي إليه في أيّ وقت فرض.
قيل : توضيح ذلك يتوقّف على مقدمة ، هى : انّ نسبة العقل إلى مدركاته كنسبة البصر إلى مبصراته ، فكما انّ الناظر في المرآت قد لا يشاهدها أصالة بل يجعلها آلة ووسيلة لمشاهدة غيرها من الصور المرتسمة فيها فيلاحظ بها تلك الصور أصالة ـ بحيث يتمكّن من تعرّف احوالها واجراء الاحكام عليها ـ ويلاحظ المرآة تبعا وليس له بهذه الملاحظة أن يتمكّن من تعرّف أحوالها واجراء الاحكام عليها ، كذلك العقل قد