وأنّ تحقّق جميع الموجودات انّما هو باعتباره ، وادّعى بداهته وقال : انّه اظهر من الشمس عندى. فيقال حينئذ : انّ ذلك الموجود لا مبدأ له ، إذ لو كان له مبدأ لكان مبدئه / ١٧MA / موجودا البتة ، فيكون إمّا عين هذا الوجود ـ فيلزم تقدّم الشيء على نفسه ـ ، أو يكون هو موجودا باعتباره ـ فيلزم الدور ، وبذلك يثبت وجود الواجب / ١٧DA / لذاته. لأنّ الوجود الحقيقيّ الّذي لا مبدأ له ـ ويقال له الوجود المطلق أيضا ـ إن هو إلاّ الواجب بالذات.
وأنت تعلم إنّ هذا الاستدلال لا يلائم طريقة أهل البحث والنظر ؛ فتأمّل!.
ثمّ هذا الطريق الّتي يلاحظ فيها الموجود المطلق أو الموجود من حيث هو موجود أو الوجود الحقيقيّ حقيق بأن يكون طريقة الصدّيقين والشهداء ـ : الّذين يستشهدون بالحقّ لا عليه ـ. لانّ المراد بهم هم الالهيون الّذين قصّروا أنظارهم على نفس الوجود وتوجّهوا بشراشرهم إلى ذات الحقّ ـ تعالى ـ وأعرضوا عمّا سواه من الموجودات ، ولا يلتفتون في مشاهداتهم إلاّ إلى الوجود المطلق والإنّية الصرفة الحقّة ، ولا يرون في الوجود الحقيقيّ إلاّ الوجود القائم بذاته ، ولا في الأنوار إلاّ النور الغنيّ الثابت بنفسه ، وهو الله نور السماوات والأرض. وغيره من الموجودات والأنوار لمعات نازلة من نور ذاته ورشحات صادرة من شئوناته وتجلّياته ، فاللائق بامثالهم أن لا يتعدّوا في استدلالهم إلى غير حقيقة الوجود والموجود ، ولا يلتفتوا فيه إلى الأغيار من المهيات والأفراد ، ولا يستشهدوا على الحقّ ـ عزّ وجلّ ـ إلاّ به.
فان قيل : الاستشهاد بالوجود الحقيقيّ ـ كما نقلته عن بعض المحقّقين ـ مسلّم ، فانّه استشهاد بالحقّ على الحقّ. وأمّا الاستشهاد بالوجود والموجود سواء أخذا من حيث الإطلاق أو الطبيعة استشهاد بغير الحقّ عليه ، لانّ الموجود أو الوجود من حيث هو ليس عين ذاته الأقدس ؛
قلت : لمّا كان الوجود أو الموجود من حيث هو منتزعا عن حاقّ ذاته ووجها من وجوهه وهو ـ جلّ وعزّ ـ فرد منه ، فلا يكون الاستشهاد به عليه استشهادا