جعلوا حدوث العالم في غير ذلك الوقت ممتنعا (١). وحاصل كلامه ـ رحمهالله ـ : انّ بعضهم تمسّكوا بكون بعض الأوقات أصلح للصدور ، وحينئذ فمن يكتفي في وجود الشيء بالأولوية يقول بصدوره بها ، ومن يوجب الوجوب يقول به. وبعضهم يقولون انّ صدور الفعل في غير ذلك الوقت ممتنع لذات الوقت ، إذ لا وقت قبل ذلك الوقت.
وحينئذ لا مجال لتوهّم رجوع العبارتين إلى شيء واحد ، لأنّه بناء على كون بعض الأوقات أصلح إذا اكتفى بالأولوية فالفرق بين العبارتين ظاهر. وإن لم يكتف بها واشترط الوجوب فيكون الامتناع في أحد العبارتين امتناعا بالغير وفي الأخرى امتناعا بالذات ـ أي : لذات الوقت ـ ؛ انتهى حاصل كلامه. وبما ذكرنا يظهر ما في هذا الكلام أيضا من الاجمال.
فان قلت : إذا كان الوجود الأزلى للعالم ممتنعا فلا تكون العلّة التامة لوجود العالم متحقّقة في الأزل ، فلا يكون الواجب لذاته في الأزل علّة تامّة للعالم! ؛
قلنا : الامكان من مراتب المعلول ومأخوذ من جانبه لا من جانب العلّة ـ كما هو المقرّر المعلوم ـ ، فاذا لم يكن امكان الوجود الأزلي للعالم متحقّقا في الأزل كان النقص في جانب المعلول وإن كان الواجب علّة تامّة له.
فان قلت : فيصدق حينئذ لزوم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة مع أنّ مقتضى البراهين وجوب معية المعلول مع العلّة التامّة وعدم جواز التخلّف عنها ؛
قلنا : مقتضى البراهين وجوب تحقّق المعيّة الّتي لا يأبى عنها ذات المعلول بينهما ، وأمّا المعية الّتي تأبى عنها ذات المعلول فنمنع تحقّقها. كما انّ المعلول يمتنع أن يكون في مرتبة ذات العلّة التامّة في الخارج ـ وهو ظاهر ـ ، وفي الذهن ـ كما انّا نعقل العلّة التامّة وليس في تلك المرتبة ذات / ٧٥DA / المعلول ـ ، فيلزم التخلّف. ولا فرق في التخلّف بين الوجود الخارجي والوجود الذهني أصلا. والقول / ٧٨MB / بأنّه كلّما تعقّل العلّة التامّة يكون المعلول أيضا موجودا في تلك المرتبة خلاف الوجدان ، فانّ ماهية الأربعة علّة تامّة للزوجية مع أنّه
__________________
(١) راجع : شرح الاشارات والتنبيهات ، المطبوع مع المحاكمات ، ج ٣ ، ص ١٣١ ؛ شرحي الاشارات ، ج ١ ص ٢٣٨. وانظر أيضا : تلخيص المحصّل ، ص ٢٠٦.