المقادير القائمة بها ـ بمعنى تناهي المدّة المفروضة من آن حدوثه إلى ما بلغ ـ. ولا يلزم منه حدوث المجرّدات كذلك ـ لتعاليها عن الزمان وانتسابها إليه ـ ، فيجوز أن يكون العقول حادثة بالذات ـ أي متأخّرة عن الواجب بمجرّد المرتبة العقلية دون المرتبة الخارجية والواقعية ـ. ثمّ يوجد الله تعالى (١) ـ بوساطتها أو بدون وساطتها العالم الجسمانى في الوقت الّذي كان قابلا للحدوث فيه ؛
قلت : هذا الاحتمال وإن لم يلزم بطلانه من ادلّة تناهي العالم ـ لاختصاصها بالعالم الجسماني ـ ولم يثبت أيضا دليل عقلي على امتناعه ، إلاّ أنّ ما ذكرنا ثانيا من اجماع المسلمين وأخبار الحجج ناهضة بابطاله. فالعمدة في اثبات حدوث المجرّدات بمعنى وجودها بعد العدم الصرف والليس المحض هو الاجماع والاخبار ؛ منها : الخبر المشهور المتقدّم ذكره ، فانّ الظاهر منه تأخّر جميع ما يطلق عليه اسم العالم في الخارج ونفس الأمر عن ذاته ـ تعالى ـ ، لانّ لفظ « شيء » وقع نكرة في سياق النفي ، فيفيد العموم. فمعنى الخبر : انّه قد تحقّق الواجب في الواقع والخارج ولم يكن شيء من الأشياء موجودا سوى ذاته الأقدس ، وما سواه كان معدوما بعدم صريح خالص وليس صرف ساذج. وحمل الخبر على انّه ـ تعالى ـ كان موجودا في الزمان ولم يكن معه شيء فيه باطل ، لأنّ كون الواجب زمانيا من أشنع المحالات ـ كما يأتي مفصّلا ـ.
ومن الأخبار الدالّة على حدوث جميع ما سوى الله الخبر القدسيّ المشهور بين أهل الاسلام ، وهو قوله ـ تعالى ـ : كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لأعرف (٢). فان الظاهر منه انّه ـ تعالى ـ كان موجودا في الواقع والخارج ولم يكن غيره من الأشياء موجودا فيهما.
ويمكن أن يقال : الوجه في حدوث المجرّدات من العقول مع عدم دلالة ادلّة التناهي عليه هو عدم قبولها / ٤٣MB / الوجود الأزلي ـ لامكانها وافتقارها ـ.
ثمّ هنا بعض دلائل أخر ذكرها جماعة لاثبات حدوث العالم وبطلان قدمه ، و
__________________
(١) الاصل : ثمّ بوحدانيته تعالى.
(٢) راجع : بحار الأنوار ، ج ٨٧ ، صص ١٩٩ ، ٣٤٤ ؛ الدّرر المنتثرة ، ص ١٢٦ ؛ الاسرار المرفوعة ، ص ٢٧٣ ؛ تذكرة الموضوعات ، ص ١١.