ذلك ، إذ الصادر منه ـ تعالى ـ ليس إلاّ اعطاء الوجود وهو خير. غاية الأمر وجوب العوض عليه ـ تعالى ـ لو أصاب شرّه مظلوما ـ كما هو مذهب العدلية ـ.
ثمّ لو كان صدور الشرّ عن ذلك الشرير بالقدرة والاختيار لا من قبيل فعل الطبائع فما ذكرناه يكون ظاهرا جدّا. نعم! لو لم يجعلوا اهرمن معلولا ليزدان بل واجبا لذاته لكان كفرا ، إلاّ انّه خلاف ما صرّحوا به. وأيضا لو قالوا : انّه ـ تعالى ـ لا يقدر ذاته بذاته على ايجاد تلك الشرور بلا واسطة لكانوا أيضا من المخالفين في عموم القدرة ، لكن ذلك أيضا لا يظهر من كلامهم. نعم! لو كان مرادهم بأهرمن هو الشيطان ـ كما هو المشهور منهم ـ لم يصحّ نسبة جميع الشرور إليه ؛ إذ لا شكّ في وجود شرور لا يمكن استنادها إليه. فالحقّ انّ الشرور مستندة إلى الممكنات الّتي هي مبادي لها ـ سواء كان شيطانا أو نارا أو غيرهما ـ. فقولهما بالتخصيص تحكّم باطل ؛ هذا.
وقيل : يمكن أن يكون مراد المجوس من « اليزدان » : الوجود الواجبي ، ومن « الاهرمن » : الامكان ؛ ويرجع قولهم إلى انّ فاعل الخير هو الوجوب وفاعل الشرّ هو الامكان. فانّك قد عرفت انّ الخيرات كلّها راجعة إلى الوجود ومنبع الوجود هو الواجب ـ تعالى ـ ، والشرور كلّها راجعة إلى العدم ومنبع العدم هو الامكان ، وحينئذ لا يلزم شرك اصلا. لأنّ الشرك انّما يلزم لو كان كلّ من المبدءين موجودا ومؤثّرا في الوجود ، / ١٠٤DA / ولكنّه ليس كذلك ؛ بل احدهما موجود مؤثّر في الوجودات ـ وهو الواجب تعالى ـ والآخر عدمي منشئا للأعدام ـ وهو الامكان ـ.
غاية ما في الباب أن يكون اطلاق المؤثّر والفاعل على العدم الّذي هو الامكان على التجوّز ـ كما يقال : علّة العدم عدم علّة الوجود ـ ؛ انتهى.
وأمّا المانوية والديصانية وإن كان ظاهر كلامهم دالا على تحقّق مبدءين ـ كما عرفت ـ إلاّ أنّه لمّا كان ظاهر كلامهم ممّا لا يقول به عاقل ـ وقد صرّحوا أيضا بأنّ النور الّذي هو فاعل الخير حيّ عالم سميع درّاك ـ أوّل جماعة كلامهم بأنّ مرادهم من النور هو الوجود ، ومن الظلمة هو الامكان حتّى يؤول مذهبهم إلى أنّ فاعل الخير هو الوجود الواجبى وفاعل الشرّ هو الامكان ، لما مرّ من أنّ الخيرات كلّها راجعة إلى