مثل هذا الاقتدار والتمكّن ، فيكون عالما به وبالحكم والمصالح المندرجة فيه.
الثالث : انّ ثبوت الاختيار للواسطة يدلّ على امكان اتصاف الموجود به ، إذ البديهة حاكمة بانّه ليس من الحالات الامكانية المختصّة بالممكن الممتنع حصوله للواجب ، فالقول بجواز اتصاف الواسطة به دون الواجب غير معقول. وإذا جاز اتصاف الواجب به يجب حصوله له بالفعل ، لأنّ جميع الصفات الممكنة للواجب ـ تعالى شأنه ـ حاصلة له بالفعل ؛ وقد تقدّم هذا الدليل في أوائل هذا الفصل بوجه السبط. والحقّ انّه تام لا يرد عليه شيء ؛ ونسبته إلى الحطام لامكان اختصاص هذه الصفة ـ أعني : الاختيار ـ بالممكن مكابرة وهفوة صادرة عن غير تثبّت!.
الرابع : انّ القادر المختار يكون مبدأ لاختلاف الآثار والأفعال ، وما هذا شأنه لا يجوز أن يصدر عن الموجب. فلو كان الواجب بذاته موجبا بالذات لما صدر عنه مختار ، لأنّ المختار من شأنه وفي طبعه التغير والاختلاف إمّا بتغير الإرادة والقصد أو التأثير بنفسها أو بتعلّقها ، وإمّا بقوّة تأثيره في كلّ من النقيضين والضدين ، إذ التأثير في أحدهما غير التأثير في الآخر. وطبيعة الموجب منافية لأمثال هذه ، بل مقتضية للثبات والتأثير على نهج واحد. ولذا ذهب الحكماء إلى أنّ الموجب لا يصدر عنه ماله الاختيار إلاّ إذا كان اختياره على وتيرة واحدة غير منقطعة كما اثبتوا النفوس المتحرّكة للأفلاك. على أنّ بعضهم انكر هذا أيضا. وعلى هذا يكون وجود متغيّر ما في العالم كافيا لاثبات قدرة الواجب ـ تعالى ـ ، ولا يحتاج نفي ايجابه إلى تجشّم اثبات حدوث العالم.
وهذا الدليل وإن لم يكن برهانيا إلاّ انّه لا يخلوا عن افادة ظنّ قويّ بالمطلوب. ويؤيّده / ٦٧MA / انّ المناسبة بين العلّة والمعلول لازمة وانّ المعلول يجب ان يكون من سنخ العلّة ، فان كانت العلّة موجبة يجب أن يكون المعلول كذلك ؛ وإن كانت مختارة وجب أن تكون كذلك.
الخامس : انّ العقل مثلا لو كان واسطة بين الواجب والجسمانيات (١) مؤثرا فيها
__________________
(١) الاصل : الجسماني.