التفسير الأوّل للمتكلّمين والثاني للفلاسفة. ومن أفاضل المتأخّرين من ذهب إلى المعنيين متلازمين بحسب المفهوم. والتحقيق انّ من أثبت المعنى الثاني يلزمه اثبات المعنى الأوّل ، وذلك لأنّ الفاعل إذا كان بحسب نفس ذاته بحيث إن شاء فعل وان يشاء لم يفعل كان لا محالة من حيث ذاته مع عزل النظر عن المشية واللامشية يصحّ منه الفعل والترك وان كان يجب منه الفعل وجب المشية والترك إذا وجب اللامشية ، ودوام الفعل ووجوبه من تلقاء دوام المشيّة ووجوبها لا ينافى صحّة الترك على تقدير اللامشية ، وكذلك قياس مقابله في الاعتبارين.
اقول : فيما ذكره خلط وخبط ، فانّ الصحّة والجواز في الفعل ومقابله مرجعها الامكان الذاتي وقد استحال عند الحكماء أن يتحقّق في واجب الوجود ؛ ولا منه جهة امكانية ، لأنّ هناك وجودا بلا عدم ووجوبا بلا امكان وفعلية بلا قوّة ، انّما يجوز هذه التناقض عند من يجعل صفاته زائدة على ذاته ـ كالأشاعرة ـ ، أو يجعل الداعي على صنعه وايجاده أمرا مبائنا ، فيكون ذاته بذاته مع قطع النظر عن الزوائد ـ صنعة كانت أو داعيا ـ كان جائز المشية واللامشية صحيح الفاعلية واللافاعلية. وأمّا عند من وحّده وقدّسه عن شوائب الكثرة والامكان فالمشية المتعلّقة بالجود والافاضة عين ذاته بذاته بلا تغاير بين الذات والمشية لا في الواقع ولا في الذهن ، فالذات هي المشية والمشية هي الذات بلا اختلاف حيثية تقييدية أو تعليلية. فصدق القضية الشرطية القائلة : إن شاء فعل ، لا ينافي وجوب المقدّم وضرورة العقد الحملى له ضرورة ارادته دائمة (١). وكذا الشرطية القائلة : إن لم يشاء لم يفعل ، لا ينافي استحالة القدم استحالة ذاتية وضرورة تقتضيه ضرورة ازلية نعلم انّ التفسير الثاني صادق عند الحكماء دون التفسير الأوّل ولا يمكن التلازم بين التفسيرين إلاّ في القادر الّذي تكون ارادته زائدة على ذاته. وأمّا الواجب ـ جلّ اسمه ـ فلكونه في ذاته تامّا فوق التمام قيّد أنّه البسيط الحقّة يفعل بالفعل لا بمشية زائدة ولا بهمّة عارضة لازمة أو مفارقة ، فهو بمشيته وعلمه وحكمته الّتي هي عين ذاته يفيض الخير ويجود النظام ويصنع الحكمة ؛ وهذا أتمّ انحاء
__________________
(١) كذا في النسختين.