للصور العلمية الحاصلة لذاته بالرضا ، ـ قال الشيخ في الشفا : انّه تعالى يعلم من ذاته كيفية كون الخير في الكلّ فيتبع صورته المعقولة صورة الموجودات على النظام المعقول عنده ، لا أنّها تابعة له ـ اتباع الضوء للمضيء والاسخان للحارّ ـ ، بل هو عالم بكيفية نظام الخير في الوجود وانّه عنه وانّه عالم بأنّ هذه العالمية يفيض عنها الوجود على اشرف الترتيب الّذي تعقّله خيرا ونظاما ـ ؛
وصاحب الاشراق ذهب إلى أنّه فاعل بالمعنى الأخير ـ أي : الفاعل بالرضا ـ ؛
والحقّ كونه ـ تعالى ـ فاعلا بالعناية ، لأنّ الواجب لا يجوز اتصافه بالفاعلية بالوجوه الثلاثة الأول ؛ وانّ ذاته ـ تعالى ـ أرفع من أن يكون فاعلا بالمعنى الرابع ـ لاستلزامه التكثّر ، بل التجسّم ـ. فهو إمّا فاعل بالعناية ، أو بالرضا ؛ وعلى أيّ التقديرين فهو فاعل بالاختيار لا بالايجاب ـ كما سبق ـ. إلاّ أنّ الحقّ هو الأوّل منهما ، فانّ الأوّل ـ تعالى ـ كما حقّقناه يعلم الأشياء قبل وجودها بعلم هو عين ذاته ، فيكون علمه بالأشياء ـ الّذي هو عين ذاته ـ منشئا لوجودها ، فيكون فاعلا بالعناية (١) ؛ انتهى ما أردنا إيراده.
وإذا عرفت ذلك تعلم أنّ القول بالفاعلية بالعناية لا يلائم القول بثبوت القدرة بالمعنى المذكور ـ أي : امكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ ، لأنّ القول بالعناية يوجب علية الذات من حيث تمثّله بنظام الخير لايجاده من غير قصد زائد وغرض داع ، وفرض ثبوت مساواة الفعل والترك بالنظر إلى الذات مع ترجيح الفعل واختياره لا بدّ له من / ٣٧DA / داع زائد على الذات ليكون مرجّحا.
فان قيل : المرجح هو العلم ؛
قلنا : هو عين الذات.
فان قيل : ما هو عين الذات هو مبدأ الانكشاف والمرجّح تعلّقه بنظام الخير ؛
قلنا : فيعود القول بكون الأصلحية مرجّحة ، فيجري الغرض في فعله وهو منفي عند الحكيم ـ كما عرفت ـ.
__________________
(١) راجع : المبدأ والمعاد ـ لصدر المتألّهين ـ ص ١٣٣.