وقد ثبت وتحقّق ممّا ذكرنا من البراهين ثبوت القدرة بالمعنى الثلاثة للواجب ـ تعالى شأنه ـ ونفي الايجاب المقابل لها عنه ـ سبحانه ـ. وقد ظهر أيضا بطلان القدرة بالمعنى الرابع وعدم ثبوته له ـ تعالى وهو امكان الفعل والترك بالنظر إلى الداعي في جميع الاوقات ولو في آن الحدوث ـ. وهو الّذي تفرّد باثباته الأشعري ؛ بل ظهر ثبوت الايجاب المقابل لها للواجب ـ تعالى ، أعني : وجوب الفعل في بعض الاوقات ، أي : في وقت الحدوث ـ. وهو الإيجاب بالاختيار الّذي اختاره المحقّقون من المعتزلة ـ وربّما يأتي لذلك زيادة بيان ـ.
تتميم
« مراد المحقّق الطوسي من الايجاب »
الحقّ انّ المراد بالايجاب في قول المحقّق الطوسى ـ رحمهالله ـ في التجريد : « حدوث العالم بعد عدمه ينفي الايجاب (١) » ، هو الايجاب بالمعنى الأوّل لا الثاني ؛ وحينئذ فالاستدلال بالحدوث عليه على المعنى المذكور ـ كما فعله الشارح الجديد ـ (٢) صحيح لا يرد عليه شيء.
ويمكن أن يحمل الايجاب فيه على الايجاب بالمعنى الثالث ، ويكون مراد المحقّق : انّ الحدوث ينفي هذا الايجاب ضرورة ، لأنّه ـ رحمهالله ـ لم يتعرّض لكيفية الاستدلال عليه ، فالحمل على انّه ينفيه ضرورة لا يأباه كلامه.
ثمّ العجب انّ العلامة الخفري حمل الايجاب على المعنى الثالث واورد على الشارح أوّلا : بأنّ الحدوث مستلزم لنفي هذا الايجاب ضرورة ، فلا حاجة إلى الاستدلال. ثمّ أورد بعض ما تقدّم من وجوه الاختلال على الاستدلال المذكور ؛ وهو خبط وغفلة ـ كما لا يخفى على من له ادنى فطنة ـ.
__________________
(١) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الأولى من الفصل الثاني من المقصد الثالث. وفيها : وجود العالم ... ؛ كشف المراد ، ص ٢١٧.
(٢) راجع : الشرح الجديد ، ص ٣١٠.