ما فوقه ولم يوجد واجب الوجود لذاته فنقول : لا يصحّ أن يكون شيء من آحاد تلك السلسلة موجودا لم يوجد قبله موجود آخر ، وإذا لم يصح لكلّ واحد أن يدخل في الوجود إلاّ وقبله موجود آخر فكذلك جميع الآحاد حكمها كذلك ـ أي : لا يصحّ أن يدخل الوجود إلاّ وقبله / ١٨DB / موجود آخر ـ ، لأنّه إذا افتقر كلّ واحد واحد إلى أمر خارج لافتقر جميع الآحاد أيضا إلى أمر خارج ، وهو بديهي.
ومنها : برهان الضرورة من اللاضرورة ؛ وتقريره : إنّ الممكن من حيث ذاته لا يكون له إلاّ سلب ضرورة الوجود والعدم ـ ولذا يفتقر في ثبوت كلّ من الضرورتين إلى علّة خارجة عن ذاته ـ ، فليس بشيء من الممكنات ضرورة بالنظر إلى ذاته. وقد تقرّر انّ الشيء ما لم يجب ولم يحصل له ضرورة الوجود من علّة لم يوجد ، فلو وجدت الممكنات من غير استناد شيء منها إلى الواجب الوجود لذاته لزم صدور الضرورة من اللاضرورة ، لانّه إذا لم يكن في الوجود ضرورة الوجود بالذات ولم يتحقّق سوى سلب الضرورة لزم لا محالة حصول الضرورة من اللاضرورة ، وهو محال بالبداهة ؛ لاستلزامه صدور الشيء ممّا هو أخصّ من نقيضه. لانّ نقيض ضرورة الوجود إنّما هو سلب ضرورة الوجود ، وسلب ضرورة الوجود أعمّ من سلب ضرورة الوجود وسلب ضرورة العدم معا ، لأنّ سلب الضرورتين (١) معا لا ينفكّ عن سلب ضرورة الوجود ، وهو ظاهر. بخلاف العكس كما في الممتنع ، فانّه قد تحقّق فيه سلب ضرورة الوجود من دون تحقّق سلب الضرورتين معا ، لانّ عدمه ضرورى ، فعلى تقدير عدم الواجب لذاته يلزم صدور ضرورة الوجود من اللاضرورتين معا ، وهو صدور الشيء من الأخصّ ونقيضه.
ومنها : برهان الأولوية ؛ وتقريره : انّه لو انحصرت الموجودات في الممكنات لزم الترجيح بلا مرجّح ، لانّ الممكن ما تساوي نسبته إلى الوجود والعدم ، فكلّ من وجوده وعدمه انّما يقع بعلّة ، فلو تحقّقت سلسلة الممكنات ـ سواء كانت متناهية أو غير متناهية ـ من دون استنادها إلى الواجب الوجود لذاته لكان لقائل أن يقول : لم
__________________
(١) الاصل : الضرورة.