بل من له التمكّن من الترك في زمان ومن الفعل في زمان آخر وإن لم يتمكّن في كلّ من الزمانين على الطرف الآخر.
وهذا الحمل وإن لم يرد عليه ما يرد على الحمل الأوّل من عود السؤال إلاّ أنّه ظاهر الفساد ، إذ لا شكّ أنّ / ٨٢MA / القدرة إنّما تعتبر بالنسبة إلى الزمان / ٧٨DB / الواحد ومراد المحقّقين من القدرة ما يكون تعلّقها بالطرفين سواء ـ أي : التمكّن من كلّ منهما في زمان واحد ـ لا ما يتعلّق بأحد الطرفين ، ـ أي : يكون التمكّن من الوجود في زمان ومن العدم في زمان آخر ـ. قال صدر المحقّقين في رسالة اثبات الذات والصفات : قال المتكلّمون : انّ القدرة من الكيفيات النفسانية وهي مغايرة للطبيعة لمقارنة الشعور ـ أي : لمقارنة القدرة للشعور ـ. بخلاف الطبيعة ، فانّه لا يلزم مقارنتها له ومغايرة المزاج للمغايرة في التابع ـ أي : الأثر ـ ، فانّ أثر المزاج من جنس الكيفيات الّتي حصل من تفاعلها هذا المزاج ؛ بخلاف أثر القدرة ، فانّ شأنها التأثير على وفق الإرادة وهي ـ أي : القدرة ـ مصحّحة للفعل بالنسبة إلى الفاعل وتعلّقها بالطرفين سواء (١).
وقال بعض الأعلام : انّ المعتزلة ذهبوا إلى أنّ تعلّق القدرة بالطرفين على السواء ، واختاره المحقّق الطوسي كما قال في مبحث الاعراض من التجريد : وتعلّقها بالطرفين على السواء ، وتتقدّم الفعل (٢). ولا ريب في أنّه إذا كان تعلّق القدرة بالطرفين فلا يمكن أن يقال انّ التمكّن من أحد الطرفين في الحال ومن الآخر في ثاني الحال ، لأنّ الحال إذا كانت حال العدم فلا يتمكّن من الفعل فيها وإذا كانت حال الفعل فلا يتمكّن من الترك فيها ، فلا يكون نسبة تعلّق القدرة فيها بالطرفين على السواء. وبالجملة نسبة القدرة إلى الطرفين نسبة جوازية فلا يجتمع مع النسبة الوجوبية ، فلا بدّ من الجواب الّذي ذكرناه أوّلا ؛ هذا.
ويرد على هذا الحمل أيضا : انّه إذا كانت القدرة معتبرة بالنسبة إلى أحد الطرفين فلا وجه حينئذ لاختيار شقّ العدم ، بل كلا الشقّين حينئذ على السواء ، لأنّ التمكّن من الفعل والترك إذا لم يكن في حال واحد فكما يمكن اختيار الشّق الثاني باعتبار انّ التمكّن
__________________
(١) لم أعثر على تلك الرسالة ، والظاهر انّها لم تطبع بعد.
(٢) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الثالثة والعشرون من مباحث الاعراض ؛ كشف المراد ، ص ١٩١.