قديم أو حادث (١).
وغير خفيّ أنّه لا دلالة لهما بوجه على القدم الذاتي للعالم ، بل هما يدلاّن على خلافه! ؛ ولذا ردّ المعلم الثاني هذه النسبة في الجمع بين الرأيين (٢) وقال : لا تدلّ الكلمتان المذكورتان على ذلك ، أمّا / ٣٩DA / الأولى فلأنّ المراد بنفي البدء الزماني عنها أنّها ليست مكوّنة من مادّة وأجزاء في زمان ـ كالحوادث اليومية ـ ، بل هي مبدعة من الواجب ـ تعالى ـ لا في زمان ـ كما نصّ هو نفسه بذلك في مواضع شتّى من أثولوجيا وساير كتبه ـ ؛ وأمّا الكلمة الثانية فلأنّ التمثيل لا يدلّ على اعتقاد شيء من الطرفين ، فانّ التمثيل بالأحوال المتصوّرة للعالم لايضاح المطالب الجدلية لا يدلّ على إرادة اثبات حالة ، ولو دلّ لم لا يدلّ على الطرف الآخر؟!. فثبت ممّا ذكر انّ نسبة القول بالقدم الذاتي للعالم إلى ارسطاطاليس خطاء وأىّ خطاء!. والحدوث الزماني له لم ينسبه (٣) إليه أحد ، لأنّ اثولوجيا مشحون بانّ العالم الأعلى والأجرام العلوية ليست في الزمان ، بل هي علّته. فمذهبه انّ العالم بأسره من الأجرام العلوية والسفلية والزمان ومحلّه مبدع لا في زمان ، أي : حادث بالحدوث الذاتي أو الدهري ، لأنّ المبدع لا في زمان يشملهما بإطلاقه. ولمّا نسب إليه الأكثرون الحدوث الذاتي وكان المشهور بينهم انّ الحادث الذاتي مرادف للقديم الزماني فقد ينسبون إليه القول بالقدم الزماني.
وقال بعض أهل التحقيق : الحقّ انّ المبدع لا في زمان قسيم للقديم الزماني وليس مرادفا له ، لأنّ المبدع صادر لا في زمان ، والقديم الزماني لكونه منسوبا إلى الزمان ما كان في الزمان كلّه فمعناه ما لم يتقدّمه زمان ولكن كان في الزمان ، فالنسبة بينهما هي المخالفة دون المرادفة. ولمّا فرّق بذلك بين المبدع والقديم الزماني وصرّح أرسطاطاليس بكون العالم مبدعا فانّ نسبة القدم الزماني إليه أيضا (٤) خطاء ، بل مذهبه الابداع المرادف للحدوث الذاتي.
وأنت تعلم انّ القائل بالقدم الزماني لا يقول بأنّ العالم الأعلى والأجرام العلوية
__________________
(١) ما وجدت العبارتين في اثولوجيا. وانظر : القبسات ، ص ٢٥ / ٢٧.
(٢) راجع : الجمع بين رأيي الحكيمين ، ص ١٠٠.
(٣) الاصل : لم ينسب.
(٤) الاصل : ـ أيضا.