وما قيل : انّ الحدوث الدهري لا ينفي الايجاب بمعنى امتناع الانفكاك ؛ كلام خال عن التحصيل! ، لأنّ الانفكاك واقع على تقدير الحدوث الدهري ، فكيف لا يدلّ على نفيه؟!
والاحتجاج عليه بأنّ معنى ذلك الايجاب امتناع الانفكاك من جهة اقتضاء الفاعل المستجمع لشرائط التأثير لا من جهة عدم امكان الأثر ـ فانّه لا يضرّ بالايجاب الّذي هو من صفات الفاعل ، ولا ريب في انّ الانفكاك الواقع بين الواجب والعالم على القول بالحدوث الدهري / ٥٢DB / انّما هو من جهة عدم جواز الأزلية للعالم وعدم قبوله للوجود الازلى لا من جهة الواجب ـ مغالطة وتدليس ، لأنّ المراد بالايجاب بهذا المعنى ليس الاّ امتناع الانفكاك سواء كان من جهة الفاعل أو من جهة المفعول. فاذا تحقّق الانفكاك بطل ذلك الايجاب من أيّ جهة كان. وهذا ظاهر لمن تدبّر في مواضع النزاع.
وأمّا استلزامه لثبوت القدرة بالمعنى الأوّل ونفي الايجاب المقابل لها ، فلأنّ تأثيره ـ تعالى ـ في وجود العالم إن كان بالايجاب الطباعى لزم قدمه ، إذ لو كان حادثا لزم إمّا تخلّف المعلول عن الموجب التامّ أو التسلسل في الشروط الحادثة مجتمعة أو متعاقبة إذ الموجب بذلك المعنى إن كان أصل ذاته منشئا للفعل من غير افتقار إلى أمر آخر لزم التخلّف على فرض الحدوث ؛ وإن توقّف فعله على بعض الشرائط لزم توقّف حدوث العالم على شرط حادث ، وذلك الشرط الحادث يتوقّف على شرط حادث آخر ... وهلمّ جرّا ، فيلزم التسلسل في الشروط المتعاقبة أو المجتمعة ، وكلاهما باطل ـ على ما مرّ ـ.
ولا خفاء في انّ الحدوث بالمعنيين يثبت المطلوب كما هو الظاهر من الدليل.
وربما قيل : انّ منافاة الحدوث الزماني للايجاب الطباعي أظهر ، امّا على جواز فرض الأزلية للعالم فلبداهة لزوم التخلف عن الموجب التامّ أو لزوم التسلسل في الشروط الحادثة ، وأمّا على تقدير عدم جواز الأزلية له فلضرورة لزوم ترجيح بعض حدود الزمان للحدوث على غيره من الموجب بالمعنى المذكور ، وهو محال ، وهذا الأخير لا يتأتّى في الحدوث الدهري. ولا ريب في أنّ اظهرية منافاة الحدوث الزمانى