على كثيرين ، وكلّما اعتبر العقل له افرادا مفصّلة امكنه اعتبار افراد اخر ولكن الموجود في الخارج أو العقل ليس إلاّ افراد متناهية والعدد من هذا القبيل (١). وقوله : « عدم التناهى » بمعنى لا يقف. وعن النقض بالبواقى انّ المتكلّمين متّفقون على امتناع عدم تناهيها واجراء برهان التطبيق وغيره من براهين ابطال التسلسل فيها ؛ وامّا الحكماء فلما اشترطوا في بطلان عدم التناهى شرطين : أحدهما أن يكون الأمور الغير المتناهية موجودة وحكموا بجواز التسلسل في المتعاقبات ؛ وثانيهما أن يقع بينها ترتيب وجوّزوا اللاتناهى في الأمور المجتمعة في الوجود معا ـ كالنفوس الناطقة وكالصبرة المشتملة على الاجزاء الغير المتناهية ـ ، وقالوا : انّ برهان التطبيق وغيره من البراهين لا تجري في المتعاقبات وفي الأمور المجتمعة في الوجود (٢). واحتجّوا على عدم جريانه في الأوّل بأنّ الآحاد إذا لم يكن موجودة في الخارج معا لم يتمّ التطبيق لأنّ وقوع آحاد احدى الجملتين بإزاء احاد الأخرى ليس حينئذ في الوجود الخارجيّ ، اذ ليست المتعاقبات مجتمعة في الوجود بحسب الخارج في زمان أصلا وليس في الوجود الذهنى أيضا ـ لاستحالة وجودها مفصّلة في الذهن دفعة ، لعدم اقتدار الذهن على احاطته بالأمور الغير المتناهية دفعة ـ ؛ ومن المعلوم انّه لا يتصوّر وقوع آحاد إحدى الجملتين بإزاء آحاد الأخرى إلاّ إذا كانت موجودة معا إمّا في الخارج أو الذهن. والحاصل : انّ الفساد المترتّب على وجود ما لا يتناهى انّما يكون فيما عرض له صفة عدم التناهى وهذا فرع تحقّقه ، وتحقّقه إمّا في الخارج أو الذهن والذهن لا يحيط به ، بل إذا احاطه بجملة متناهية يعجز عن ادراك الباقى ولذا قالوا : انّ التسلسل في الاعتباريات جائز ، لأنّه ينقطع بانقطاع الاعتبار ، فالمتعاقبات الغير المتناهية لا يحيط بها الذهن وليست موجودة في الخارج ، فلا يبطل التسلسل فيها.
وقد اكّد ذلك عندهم بأمرين : أحدهما : انّهم احتاجوا إلى ربط الحوادث بالثابتات وهو لا يتأتّى على أصولهم إلاّ بعدم تناهى الزمان والمتعاقبات ؛ وثانيهما :
__________________
(١) راجع : الشرح الجديد ص ١٢٢.
(٢) راجع : الحكمة المتعالية ج ٢ ص ١٤٧. شرح المقاصد ج ٢ ص ١٢٣.