ثمّ لا يخفى انّ الموجب لوجود العالم في الوقت الّذي وجد ليس مجرّد العلم بأصلحية هذا الوقت وكون النظام حينئذ أكمل واعلى ممّا إذا وجد في غيره ، لمّا تقدّم من أنّه يلزم حينئذ أن يكون للوقت مدخلية في الأصلحية والأكملية ، فيتوقّف الايجاد حينئذ على حضور ذلك الوقت وننقل الكلام إليه ونطالب عليه تخصيص حضوره ، وحينئذ فيتوقّف على التزام وقت آخر وهكذا ، فيلزم التسلسل. فمن قال بالزمان الموهوم والتزم التسلسل على التعاقب مطلقا أو فيه لعدم وجوده يمكن له أن يجعل الموجب لحدوث العالم في الوقت الّذي وجد هذا الوقت وتعلّل حضوره وحدوثه في الوقت الّذي حدث بما تقدّم عليه من الجزء الوهمي للزمان ، لتوقّف حدوثه على مقتضى هذا الجزء ، وتعلّله بما تقدّمه من جزء آخر وهكذا إلى غير النهاية. وأمّا من لم يقل بالزمان الموهوم فليس له أن يقول بكون آن الايجاد موجبا ومنشئا للأصلحية ، بل الموجب عندهم هو عدم وقت قبل وقت الحدوث مع علمه ـ تعالى ـ بأصلحية الحدوث في الوقت الّذي لا وقت قبله ـ كما مرّ ـ.
فان قيل : ما الباعث لعدم الوقت قبل وقت الحدوث مع انّه يمكن أن يكون الوقت قبل ذلك ، وكونه ازليا ؛
قلت : الباعث لذلك اقتضاء الوقت في حدّ ذاته وحاقّ مرتبته ذلك. ويمكن أن يعلّل تخصيص الايجاد بالوقت التقديري الّذي وجد العالم فيه بذات العالم وحقيقته ومرتبة وجوده من غير تمسّك بالوقت مطلقا ، لأنّ الوقت متأخّر ذاتا عن وجود العالم ، لأنّ تحقّق الوقت انّما هو بحدوث العالم الجسماني وحصول الحركة الدورية ، فقبل ذلك لا يكون وقت. فاختصاص حضور الوقت والزمان في آن حضورهما لتوقفهما على حدوث العالم الجسماني ، فالتخصيص فيهما معلّل به ، فانّ وجه تخصيص حدوث العالم الجسماني بالوقت التقديري الّذي حدث فيه ـ أعني : الدهر والواقع ـ عدم قبوله الوجود الأزلي واقتضاء عدم ذاته ومرتبته للحدوث في الوقت الّذي حدث. والحاصل على ما اخترناه من الحدوث الدهري وتفسير الدهر بمرتبة الشيء وحدّه في ذاته وكون الشيء موجودا في الدهر بكونه موجودا في حدّ ذاته وحاقّ مرتبته أن يقال : لكلّ