قلنا : انّ القدرة بالمعنى الثالث ليس أخصّ مطلقا من المعنى الثانى ، بل من وجه ـ كما لا يخفى ـ ؛ فلا يلزم من / ٧٢DB / نفي المعنى الثاني نفي المعنى الثالث أيضا ؛ وهو ظاهر.
ثمّ هذه الشبهة غير مختصّة بنفي قدرة الباري ـ تعالى شأنه ـ ، بل هي جارية في أفعال الانسان أيضا ـ كما لا يخفى ـ ؛ وغير مختصّة بالقول بعينيّة الصفات ، بل هي ترد على القائلين بزيادة الصفات أيضا. لانّه اذا كان الواجب قديما وكانت الإرادة أيضا قديمة لزم قدم المراد ، فيلزم نفي القدرة بالمعنى الثالث. والجواب الجواب. نعم! ، على القول بزيادة الصفات لا تناسب تلك الشبهة لنفي القدرة بالمعنى الثاني ـ كما لا يخفى ـ.
والجواب عن تلك الشبهة : بأنّ الإرادة وإن كانت قديمة إلاّ أنّ التعلّق حادث ، ضعيف لأنّه مستلزم للتسلسل في التعليقات أو الترجيح بلا مرجّح. نعم! ، يمكن أن يقال في الجواب : انّه على تقدير زيادة الإرادة إن قيل بحدوثها ـ كما هو مذهب بعض المعتزلة والكرامية ـ فلا اشكال ؛ وإن قيل بقدمها ـ كما هو مذهب الأشاعرة ـ فلا يرد عليهم ايراد ، لأنّهم لا يقولون بالوجوب حتّى يرد عليهم لزوم القدم ، فالايراد مختصّ بالقائلين بالعينية.
وجوابها : انّ امكان صدور الأثر باعتبار القدرة وحدها مع قطع النظر عن اعتبار الإرادة ، ووجوبه باعتبار الإرادة ، وهذا ما يقال : انّ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار بل يحقّقه ، لان الوجوب بالاختيار فرع الاختيار. ولأنّ القادر هو الّذي إذا أراد الفعل مثلا وجب صدوره عنه ، إذ لو امكن عدمه بعد ارادته لم يكن قادرا عليه ، فالوجوب بسبب الإرادة لا ينافى الاختيار ، بل لا بدّ في الاختيار منه. وبالجملة فالقادر هو الّذي يصحّ منه أن يفعل بأن يريد الفعل فيجب الفعل ، وأن يترك بأن يريد الترك أو لا يريد الفعل فيجب الترك.
فقول مورد الشبهة : « إن استجمع شرائط التأثير وجب صدور الاثر » إن اراد به وجوب صدور الاثر بالنظر إلى ذات القادر مع قطع النظر عن ارادته ، وإن أراد به وجوب صدور الأثر بالنظر إلى مجموع الشرائط ـ أعني : الذات مع كونه قادرا مريدا ـ ؛