الأغوال ـ وحينئذ لا يكون عدم العالم قبل وجوده في ظرف يكون هو الزمان ، بل يكون عدمه عدما لا بزمان ولا مكان ، ولا نعني بالعدم الصريح الخالص إلاّ هذا ؛ ولو كان موهوما له منشأ الانتزاع فننقل الكلام إليه ، فهو إمّا واجب أو ممكن ؛ لا جائز أن يكون واجب الوجود ، فبقي أن يكون ممكنا ، فذلك المنتزع منه يكون مادّيا البتّة.
فلا يخلوا : إمّا أن يكون قديما ، أو حادثا فان كان قديما لزم خلاف الاجماع والحديث النبوي ، وإن كان حادثا فلا يجوز أن يكون عدمه مسبوقا بهذا الزمان ، لأنّه متأخّر عنه ، فلا بدّ من زمان آخر وهكذا فيلزم التسلسل ، فبقي أن يكون مسبوقا بعدم لا يكون ذلك العدم في زمان ولا مكان.
فان قيل : قوله ـ تعالى ـ : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ* ) (١) ، وقوله ـ تعالى ـ : ( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (٢) يدلّ على تحقّق الزمان الموهوم ، لأنّه لو لا الامتداد المنقضي المتجدّد لم يكن لستة أيّام أو يومين في الآيتين معنى ؛
قلنا : المراد بهذه الأيّام الأوقات الفرضية التقديرية ، ولو لم يكن الحمل عليها صحيحا لم يكن الحمل على الزمان الموهوم أيضا صحيحا ، إذ المتعارف والمتبادر من اليوم ـ كما صرّح به أهل اللغة والتفسير ـ هو زمان طلوع الشمس إلى غروبها ، ولم يكن حينئذ طلوع وغروب. ويؤيّده تصريحهم ـ كما مرّ ـ بأنّ ابعاض هذا الامتداد انّما يتميّز ويصير قطعة قطعة ليلا ونهارا بحركة الفلك الأطلس ولم يكن حينئذ فلك ولا حركة ، فالمراد مجرّد الفرض والتقدير. على أنّ المحقّقين يفرّقون بين اليوم والنهار ويقولون : انّ اليوم عبارة عن دورة واحدة من حركة الفلك الأقصى وهو ليس بسماء ، بل السماء في الحقيقة منحصرة في افلاك الكواكب السبعة السيّارة ، ووجود الليل والنهار بحركة فلك الشمس ، فيجوز أن يكون أصل جرم الفلك الأطلس خلق أوّلا طبقة واحدة ثمّ أدير ستّة دورات وفي مدّتها خلق ما فيها من السموات والأرض بأن جعل السماء بعد كونها طبقة سبع طبقات أو ازيد والأرض مثلهنّ ، وحينئذ لا حاجة في
__________________
(١) كريمتان ٥٤ ، الأعراف / ٣ ، يونس.
(٢) كريمة ١٢ ، فصّلت.