سنشير إلى ذلك ببيان أوضح.
فقائل كلّ من الوجهين إن كان غرضه انّ مجرد ما ذكره دافع للشبهة ، فليس الأمر كما زعمه ـ على ما عرفت ـ ؛ وإن كان غرضه انّ ما ذكره بعلاوة ما أضيف إليه ممّا ذكره القائل الأخير وما ذكرناه دافع للشبهة إلاّ أنّه اكتفى بما ذكره وترك البواقي حوالة على الظهور ، فهو حقّ ، إلاّ انّ فيه مسامحة لا يجوز مثلها في المقام.
وثالثها : انّ جميع الشرور الواقعة في هذا العالم أعدام وليس امورا موجودة ، فانّ تصفّح الأمور وتتبّعها يعطى الجزم بأنّ جميع الشرور راجعة إلى الاعدام والموجود من حيث هو موجود ليس إلاّ خيرا ؛ وقد اشرنا قبل ذلك إلى كيفية رجوعها إلى الاعدام اجمالا.
والتفصيل : انّه لا ريب في أنّ جميع الشرور الواقعة في هذا العالم لا ينفكّ عن اعدام وسلب لأحد الخمسة الضرورية أو ما يتعلق بها ويحملها ـ أعني : الأديان والنفوس والعقول والفروج والاموال ـ. فانّ الكفر والشرك شرّ لرجوعها إلى سلب الايمان ونفي العقائد الحقّة المطابقة للواقع ؛ والقتل والاماتة والافناء شرور لايجابها سلب النفوس ؛ والقطع والجرح وامثالهما شرور لاستلزامها رفع الاتصال وتفرّقه ؛ والامراض والآلام شرور لاقتضائها رفع الصحّة وازالة صدور الأفعال على ما ينبغى ؛ والزنا شرّ لعدم انفكاكه عن هتك الستر وسلب البضع عن أهلها ؛ والسرقة والغصب والخيانة وأمثالها شرور لاستلزامها سلب الأموال عن أهلها ، وقس على ما ذكر ما لم يذكر من الضرب والشتم والحرق والغرق وغير ذلك.
وإذا تصفّحنا الشرور الواقعة في العالم وتجسّسناها لم يخرج شيء منها عمّا ذكرناه.
وإذا كان الأمر كذلك نقول : ليس شأنه ـ تعالى ـ إلاّ اعطاء الوجود ، فلا يصدر عنه ـ سبحانه ـ إلاّ الخير وانّما يصدر الشرّ ـ الّذي هو العدم ـ عن الممكنات المعلولة له ـ تعالى ـ ، فالعدم مستند إليه ـ تعالى ـ بالواسطة ؛ ولا محذور فيه.
هذا لو جوّز صدور العدم عن الممكنات بناء على أنّها ليست عين الوجود ، بل ماهيّات غير الوجود مخلوط بالوجود والعدم ، لامكانها. ولا استحالة في صدور العدم