الطرفين في العلم بتلك النسبة ، فلا تكون نظرية مجهولة بل بديهية معلومة ، وهو خلاف الفرض. وهذا الأمر الثالث هو الأوسط الموجود في كلتا المقدّمتين المسمّيتين بالصغرى والكبرى ، وتتفرّد الصغرى بحدّ هو موضوع المطلوب ويسمّى « أصغر » ، والكبرى بحدّ هو محمول المطلوب ويسمّى « أكبر » ، فكلّ قياس حمليّ يشتمل على ثلاثة حدود : الاصغر ، والاكبر ، والاوسط. ثمّ الأوسط في القياس البرهاني ـ وهو ما صحّ تركيب مقدّمتيه وكانت المقدّمتان يقينيّتين ـ لا بدّ أن تفيد الحكم بثبوت الأكبر للأصغر ، فيكون علّة لثبوت الحكم ـ أي : ثبوت الأكبر للأصغر ـ في الذهن ، فانّ كان مع ذلك / ٢٢MA / علّة لثبوت الأكبر للأصغر في الخارج يسمّى البرهان « برهان لمّ » ، وإلاّ يسمّى « برهان انّ ». ثمّ قسّموا البرهان الإنّي إلى ما يكون الأوسط فيه معلولا لوجود الأكبر في الأصغر ، وما يكون كلاهما فيه معلولا لشيء ثالث ، وما يكونان متضايفين. والأشهر عندهم هو القسم الاوّل ، والثالث غير معروف لقلّة فائدته ؛ وربما يخصّ الأخيران باسم الدليل.
هذا حاصل كلامهم في تقسيم البرهان.
وهم (١) كما ترى عرّفوا البرهان بما كان مقدّماته بيّنة وكان تركيبها معلوم الصحّة ، وجعلوه مقسما للمّي والإنّي وصرّحوا بلزوم النتيجة المطلقة. فكلامهم صريح في افادة كلّ منهما العلم اليقيني القطعي ، لانّه إذا صحّ الملزوم صحّ اللازم أيضا ـ لعدم جواز انفكاك الملزوم عن اللازم ـ. فمن ادّعى عدم افادة الإنّ اليقين لزمه القدح إمّا في تحديد البرهان ، أو في كونه مقسما للّمّ والإنّ ، أو في كون النتيجة لازمة ، والكلّ باطل. فتحقّق بذلك اشتراكهما في افادة العلم اليقينى ولا فرق بينهما إلاّ في المطلوب ـ : في اللمى انّما يعلم من جهة العلم بما اوجبه وأوجده في الخارج أعني لمّه وعلته ، وفي الإنّي انّما يعلم من جهة أخرى ، فلا يعلم معه لمّه وعلّته ، بل المعلوم وجوده فقط ـ.
فان قيل : كلام المنطقيين في هذا المقام لا يخلوا عن اختلال ، لانّهم في تقسيم البرهان إلى اللمّي والإنّي جعلوا مناط التقسيم حال الأوسط بالنسبة إلى الأكبر و
__________________
(١) النسختين : هو.