الاعتبار لا مطلقا ، كما أنّ وجود العالم ممكن بالنظر إلى ذاته واجب بالنظر إلى مشيته. كذلك عدم العالم ممكن بالنظر إلى ذاته ، لكن بالنظر إلى عدم المشية ممتنع لأنّ عدمه مستند إلى وقوع عدم المشيّة ، ووقوعه ممتنع عندهم ، فيصحّ بهذا الاعتبار انّ عدم العالم ممتنع. وأيضا المقدّمتان هما المشية وعدم المشية لا وجود العالم وعدمه ؛ انتهى.
ووجه الفساد : انّ القدرة عبارة عن امكان الطرفين بالنظر إلى ذات العلّة لا بالنظر إلى المعلول ، فاذا وجب الفعل بالنظر إلى المشية ـ الّتي هي عين الذات ـ كان الفعل واجبا بالنظر إلى ذات الواجب وكان مقدّم الشرطية الأولى واجبا ، فلا يتأتّى القول بامكان الطرفين بالنظر إلى ذات العلّة ، فترتفع القدرة بالمعنى المذكور ؛ والامكان بالنظر إلى المعلول لا يفيد هذا.
وعندنا انّ الايجاد لأجل كونه حسنا ونفعا للغير لا يوجب غرضا يحصل به الاستكمال ، بل يجب الاعتقاد بكون فعله كذلك ـ كما ثبت من الشريعة النبويّة ـ ، فالواجب ـ تعالى شأنه ـ فياض مطلق وجواد بالحقّ ، والجود عين ذاته بمعنى أنّ ذاته منشئا له ، إلاّ انّ فعله وتركه كلاهما ممكنان بالنظر إلى ذاته. ولكنه يختار الفعل لكونه حسنا وصلاحا. وباختياره يجب الفعل ويمتنع الترك ، فانّ اختيار وجود النظام الأصلح لكونه أصلح بعد قدرته على الترك وإن اقتضى الداعى ، إلاّ انّه لا يوجب النقص والاستكمال. وكيف ينكر العاقل كون ايجاد العالم لأجل اشتماله على الحكم والمصالح الراجعة إلى النظام الأصلح؟! ، وكيف ينكر أنّ ترجيح الوجود لأجل اشتماله على تلك المصالح بعد العلم بها؟! ، فمن كحّل بصيرته بنور المعرفة ونظر إلى نظام العالم لوجد اشتماله على الحكم (١) الغريبة والمصالح العجيبة ووضع كلّ شيء في موضع يليق به واعطاء كلّ شيء كلّما يصلح لحاله على ما تكلّ ثواقب الأفهام عند ادراك قليله وتضلّ صوائب الأوهام في نيل يسيره!. وهذا ظاهر لمن تأمّل في الأفلاك والنجوم وحركاتها ، وفي الأرض وما اشتملت عليه من الحيوان والنبات والجماد ، وفي خلق الحيوانات سيّما الانسان / ٣٧DB / وما اشتمل عليه من دقائق الصنع وعجائب الحكمة ـ
__________________
(١) الاصل : الحكمة.