أو السرمد ليس عندنا شيء على حدة أزليا كان مساوقا للواجب في الوجود ؛ ولقد أجاد فيما أفاد / ٥١MA / بارع المحقّقين حيث قال في شرح رسالة العلم : أزليته ـ تعالى ـ واثبات سابقيّته له على غيره ونفي المسبوقية عنه ، ومن تعرّض للدهر أو الزمان أو السرمد في بيان الأزلية فقد ساوق معه غيره في الوجود (١).
ثمّ انّ الحكماء الذاهبين إلى قدم العالم احتجّوا على اثبات ما ذهبوا إليه بوجوه (٢) عمدتها ثلاثة :
أحدها : انّه لو كان العالم مطلقا حادثا لزم التخلّف في الازل عن العلّة التامة ، إذ ذاته بذاته في الأزل كافية في فيضان الوجود عنه وعلّة تامّة مستقلّة لايجاد العالم ، فانّه منبع الجود وفيّاض على الاطلاق وتامّ في ذاته وصفاته الّتي هي عين ذاته ، فبم يتصحّح تخلّف العالم وانقطاع الفيض عنه مع أنّه نقص على وجوده وفيضه وفتور على احسانه وفضله؟! ، بل هو وهن على حريم سلطنته التامّة الكبرى وغير لائق بساحة جبروته القاهرة العظمى ؛
والجواب عنه : انّ التخلّف لقصور العالم وعدم قبوله الوجود الازلي ، فتخلّفه عنه من مقتضى ذاته وتلقاء نفسه لا من جهة تاخّره في الافاضة وعدم كونه علّة تامّة. وذلك كما أنّ تخلّف المعلول عن مرتبة ذات العلّة من نقصان جوهره عن قبول الوجود في تلك المرتبة ؛ وإلى ذلك يشير قولهم : انّ العالم لم يكن ممكنا قبل ذلك الوقت ثمّ صار ممكنا فيه ، والامكان شرط في التأثير والمقدورية ، والوجوب والامتناع يحيلانها. وثبوت الامكان للعالم أزلا لا ينافي ذلك ، إذ لا يلزم من امكان العالم امكان أزليته ، إذ امكان ازلية الشيء انّما يتحقّق إذا كان امكانه الوقوعي ازليا. ألا ترى انّ الحادث بشرط كونه حادثا امكانه أزلي وليس ازليته ممكنة لاستحالة ازلية الحادث من حيث انّه حادث؟! ، فالامكان الذاتي يتحقّق في الأزل ، فلا انقلاب ؛ والوقوعي غير متحقّق فيه ، فلا قدم. فلمّا زال المانع من جهته وصار ممكنا بالامكان الوقوعي وجد ، فلا تأخّر في الافاضة ولا تغيّر في الذات ولا تخلّف للمعلول عن علّته التامّة ، و
__________________
(١) راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، ص ٤٦.
(٢) وانظر : تلخيص المحصّل ، ص ٢٠٥.