انّ « الذاتي » عبارة عن وجود الماهية بعد عدمها في لحاظ العقل دون الواقع ؛
و « الدهرى » عبارة عن وجودها بعد نفي صريح واقعى غير كمّى ؛
و « الزماني » عبارة عن وجودها بعد عدم واقعى كمّى.
فالفرق بين الحدوث الذاتي والحدوث الزماني ظاهر لا يحتمل الاشتباه ، والفرق بين الحدوث الدهري والحدوث الذاتي انّ الحدوث الذاتي هو تأخّر الذات بحسب المرتبة العقلية لا تأخّر انفكاكي في الوجود بحسب حاقّ الواقع البات ، والحدوث الدهري هو تأخّر وتخلّف في متن الاعيان الخارجة عن لحاظ الذهن وفي حاقّ الواقع الصريح. والفرق بينه وبين الحدوث الزماني انّ الحدوث الزمانى هو الوجود بعد العدم المتقدّر السيال الواقع في الزمان القبل قبلية زمانية متكمّمة ، وفي حدوث الدهري ليس العدم متقدّرا متكمّما ، بل إن هو إلاّ محض مسبوقية الوجود بالعدم المحض والليس الساذج.
ثمّ الوجه في تسمية هذا القسم من الحدوث « بالدهري » ، بناء على أنّ الاوعية عند الحكماء ثلاثة :
الأوّل : وعاء بحت الوجود الثابت الحقّ المتقدّس عن عروض التغير مطلقا والمتعالي عن سبق العدم على الاطلاق ، ويسمّى « بالسرمد » ؛
الثاني : وعاء الموجود بعد العدم الصريح المرتفع عن أفق التقدير واللاتقدير ـ كالعقول والافلاك ـ ، ويسمّى « بالدهر » ؛
والثالث : وعاء الأمور المتغيرة المتقدّرة السيالة المسبوقة بالعدم الزماني ـ كالحوادث ـ ، ويسمّى « بالزمان ».
وكما أنّ وعاء وجود الاشياء المتقدّرة السيالة الزمانية هو الزمان ، فكذا وعاء عدمها أيضا هو الزمان ؛ وكما انّ وعاء وجود الموجودات المسبوقة بالعدم الصريح المنزّهة عن التكمّم والتقدّر هو الدهر ، فكذا وعاء عدمها أيضا هو (١) الدهر ؛ فاحقّ الأسماء وأجدرها للحدوث بحسب سبق العدم الصريح هو الحدوث الدهري. وأمّا بحت
__________________
(١) الاصل : ـ هو.