لأنّه لم يتعلّق به العلم بالأصلح حتّى يلزم وجوده في الازل. والحاصل : انّ الاصلح بحال المعلول انّما هو الوجود الحدوثي فقط ـ نظرا إلى تعلّق العلم بالاصلح به ـ دون الوجود الازلي لعدم تعلّق العلم بالاصلح به ، فلمّا تعلّق العلم بالاصلح بنفس ايجاده فوجوب وجوده حينئذ لهذا السبب ـ أي : لكون أصلحية ايجاده ـ ، لا لوجوبه بالنظر إلى ذات الفاعل. فالوجوب إنّما نشأ من جانب المعلول ، فلا ينافي ثبوت القدرة بالمعنى الثانى ، ولا يلزم منه الايجاب المقابل لها. ولمّا تعلق ـ أي : العلم بالأصلح ـ بايجاده في وقت خاصّ ـ أي : كان الايجاد في الوقت الّذي وجد أصلح بحاله كما تعلّق العلم ـ حصل الانفكاك وانتفى الايجاب بالمعنى الثالث ، وإن تحقّق الايجاب بمعنى استحالة انفكاك الحادث على النحو الواقع عن الإرادة الّتي هي غير زائدة على الذات والعلم بالاصلح. وهذا الايجاب قد قال به أهل التحقيق من المعتزلة وغيرهم ـ كما مرّ ـ. وإلى ما ذكرناه من الجواب أشار بعض الأفاضل حيث قال : التحقيق انّ التخلّف المحال هو التخلّف عن مقتضى العلّة ، واللازم ممّا ذهب إليه أهل الاختيار من تحقّق العلّة التامّة في الأزل بدون معلوله هو التخلّف عن ذات العلّة ، واستحالته ممنوعة ، والدليل انّما يفيد الأوّل دون الثاني ـ كما لا يخفى ـ.
وأنت تعلم انّ هذا الجواب وإن ارتفع به الايجاب بالمعنيين المذكورين إلاّ أنّه لمّا ظهر منه انّ الوجوب انّما نشأ من الأصلحية بحال المعلول فينافي الداعي وملاحظة الأصلح والأحسن في فعل الباري ، وهو مستلزم لثبوت الغرض / ٧٦MB / في فعله. ـ
فثبوت القدرة بالمعنى الثاني مع وجوب الفعل لا ينفكّ عن جريان الغرض في فعله ـ تعالى ، كما مرّ ذلك مفصّلا ـ. وقد أشرنا إلى أنّ دعوى الأكثر اجماع الحكماء على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ مع اتفاقهم على نفي الغرض عن فعله ـ تعالى ـ لا يخلوا عن مسامحة. وقد تقدّم أيضا انّ القول بامكان الصدور واللاصدور ينافي ما استقرّ عليه آراء الفلاسفة بانّه ليس في الواجب جهة امكانية. قال بعض الأعلام ممّن صحّ عنده أكثر قواعد الحكمة : انّ للقدرة تعريفين مشهورين أحدهما صحّة الفعل ومقابله ـ أعني : الترك ـ ، وثانيهما : كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل. و