المقام! ، لأنّ الخير الكثير المشتمل على الشرّ وإن كان قليلا يمتنع صدوره عمّن هو محض الخير وصرف الوجود وواحد من جميع الجهات مناسب للخير ، بل عين الخير وصرفه ، فترك ذلك الخير ليس شرّا بل هو خير ، وكيف لا؟! وعلى قواعد الحكمة من لزوم المناسبة بين العلّة والمعلول لا يمكن أن يصدر المتقابلان عن واحد بسيط من جميع الجهات ؛ وإذا ناسب أحدهما وصدر عنه ـ كالخير فيما نحن فيه ـ لم يناسب الشرّ ولم يمكن صدوره عنه.
ويمكن أن يقال : من قال / ١٠١DA / بهذا الوجه واسند الشرّ القليل إليه ـ تعالى ـ لم يقل باستناده إليه بلا واسطة ليلزم ما ذكر من مبدئيته ـ تعالى ـ لأمرين متقابلين ، بل قال باستناده إليه ـ سبحانه ـ بالواسطة بمعنى انّ جميع الشرور الواقعة في العالم مع كونها شرورا قليلة مستندة إلى بعض الممكنات المستندة إليه ـ تعالى ـ ، فمن حيث استنادها إلى غيره ـ تعالى ـ لا تلزم المفاسد الّتي تترتّب على استناد الشرّ إليه ـ تعالى ـ من لزوم كون الخير المحض شرّيرا والواحد من جميع الجهات مبدأ لصدور المتقابلات ، ومن حيث كون هذا الغير الّذي يصدر منه تلك الشرور مخلوقا له ـ تعالى ـ وامكان صدورها منه ـ تعالى ـ بلا واسطة بالنظر إلى ( الذات ) (١) وإن لم يكن بالنظر إلى العلم والإرادة لا يلزم وهن على عموم قدرته وعظم سلطانه.
فان قيل : إذا كان الشرّ مستندا إلى غيره ـ تعالى ـ فلا يرد عليه ـ تعالى ـ نقص سواء كان قليلا أو كثيرا ـ ؛ فأيّ فائدة حينئذ في القول بأنّ الشرور الواقعة في العالم شرور قليلة؟! ، بل إذا كانت كثيرة ولم تقلب الخيرية لم يكن به حينئذ بأس! ؛
قلنا : لا ريب في أنّ هذا النظام بأسره صادر منه ـ تعالى ـ إمّا بلا واسطة أو أعمّ من أن يكون بلا واسطة أو بواسطة ، والنظام الصادر منه ـ سبحانه ـ بأيّ طريق كان يجب أن يكون على أحسن الانحاء وأصلح الوجوه. ولا ريب في أنّه إذا وجد فيه شيء يكون شرّا محضا أو تكون شرّيته غالبة على خيريته أو تتساوي الشرية / ١٠٦DB / والخيرية لم يكن نظاما أصلح ، فيجب أن يكون ما يوجد فيه الشرّ بحيث يشتمل على
__________________
(١) لفظة الذات لم توجد في النسختين ، ونحن اضفناها لمكان احتياج المعنى إليها.