وثانيهما : أن يجعل كلاّ منهما موجودا. والمورد قصر الجعل في الماهيّة على الوجه الأوّل ، وابطاله بما ذكر.
ولمّا لزم منه بطلان الجعل بالوجه الأوّل في الوجود والاتصاف أيضا تعيّن أن يحمل الجعل فيهما في كلامه على الوجه الثاني ـ كما يقتضيه دليله الّذي ذكره لإبطاله ـ.
ولا ريب في أنّ الجعل المركّب في كلّ واحد من الماهيّة والوجود والاتصاف باطل ـ للأدلّة الثلاثة الّتي ذكرها المورد ـ.
وهي وإن كانت عند التحقيق تامّة ناهضة لاثبات المطلوب إلاّ انّه أورد على كلّ منها اعتراض لا بدّ لنا أن نشير إلى دفعه.
أمّا الدليل الأوّل فقد اعترض عليه : بأنّه يجوز أن يكون شيء لازما بيّنا بالمعنى الأعمّ لشيء آخر مع ثبوته له بتأثير المؤثّر ، فيمكن أن يكون الانسانية للانسان لازما بيّنا بالمعنى الأعمّ مع ثبوته له بتأثير المؤثر ، فلا يقع الشكّ في ثبوته له مع الشكّ في وجود المؤثر ؛
وجوابه : انّه قد تقرّر عند القوم انّ العلم اليقينى الكلّى بما له سبب لا يحصل إلاّ من العلم بسببه ، فلو كانت ثبوت الانسانية للانسان بتأثير المؤثّر لم يتيقّن كلّيا مع الشك في وجود مؤثّره.
فان قيل : المقرّر عندهم انّ ما له سبب إذا لم يكن بديهيا لا يحصل العلم الكلّي اليقينى إلاّ من جهة سببه ، وثبوت الشيء لنفسه لمّا كان ضروريا لا يتوقّف على العلم بالسبب ، فيجوز أن يكون بتأثير المؤثر ويتيقن به كلّيا مع الشكّ في وجود مؤثّره ،
قلنا : ان اريد انّ وجوب الشيء لنفسه على فرض وجوده في الخارج ضرورى ، فممنوع ، لكن الدعوى أعمّ ؛ وإن اريد انّه ضروري أعمّ من أن يكون الشيء موجودا في الخارج أو معدوما ، فممنوع ، كيف وبعضهم منع بطلان التالي في هذا الدليل! ـ أعني : وقوع الشكّ في كون الانسان انسانا عند الشكّ في وجود المؤثّر ـ محتجّا بانّ المعدوم في الخارج مسلوب عن نفسه ما دام معدوما ، فإذا ارتفع المؤثّر في وقت أو دائما ارتفع الانسانية كذلك ، فيصدق قولنا : « ليس الانسان انسانا » ويكون صدق السالبة