المناسب أن يقول : والقدرة على المستقبل يكون مع العدم في الحال من دون افحام لفظ الامكان ؛ انتهى.
وهو أيضا كما ترى! ، لأنّ لفظ الامكان هنا مقابل لما ذكره المستدلّ من أنّه لا يمكن اجتماع القدرة إلاّ مع الوجود ولا مع العدم ، فردّه بانّه يمكن اجتماع القدرة مع العدم بهذا النحو ، ولا اشعار فيه اصلا بامكان تحقّق القدرة على نحو آخر.
فان قلت : ما اخترت من تقدّم قدرة العبد ـ المسمّاة بالاستطاعة ـ على الفعل والترك ينافي ما رواه ثقة الإسلام في روايتي البصري والنبلي (١) : انّه لا يكون الاستطاعة إلاّ وقت الفعل ، وانّ العباد مستطيعون للفعل ووقت الفعل مع الفعل إذا فعلوا ذلك الفعل ، وانّه ليس للعبد من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير ، ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعا ؛
قلت : هاتان الروايتان معارضتان بأخبار كثيرة ؛ منها : ما رواه الصدوق في التوحيد بسند صحيح عن الصادق ـ عليهالسلام ـ انّه قال : لا يكون من العبد قبض ولا بسط إلاّ باستطاعة / ٨٢DA / متقدّمة للقبض والبسط (٢).
ومنها : ما رواه أيضا عنه ـ عليهالسلام ـ بسند صحيح انّه قال : لا يكون العبد فاعلا ولا متحرّكا إلاّ والاستطاعة معه من الله ـ عزّ وجلّ ـ وانّما وقع التكليف من الله ـ تبارك وتعالى ـ بعد الاستطاعة ، ولا يكون مكلّفا للفعل إلاّ مستطيعا (٣). والاخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة متظافرة.
والوجه في الجمع بينهما وبين روايتي البصري والنبلي : أن تحمل الاستطاعة المتقدّمة الواردة في هذه الأخبار الكثيرة على القوّة الّتي هي مبدأ التأثير وبها يتمكّن الفاعل من الفعل والترك سواء كانت مع جميع شرائط التأثير في الفعل أو لا ، والاستطاعة الواردة في روايتي البصري والنبلي على القوّة المستجمعة لجميع شرائط التأثير. وبذلك يظهر أنّ ما ذكرنا في تحقيق الحقّ وجه حسن للجمع بين الأخبار
__________________
(١) راجع : الاصول من الكافي ، ج ١ ، ص ١٦٢.
(٢) راجع : التوحيد ، ص ٣٥٢.
(٣) راجع : نفس المصدر ، ص ٣٤٥.