كان العالم مستندا إلى الواجب من دون واسطة ، ويمكن أن يدفع بها فساد لزوم تخلّف العالم عن الواجب. على انّ المحذور الثاني أيضا لازم. والثاني مردود بأنّ الشرطية والوساطة انّما يتأتّى إذا حصل بها الربط بين الواجب والعالم الجسماني ، وهو يتوقّف على أن تكون متغيّرة بذاتها ، والعقول ليست كذلك. والثالث يقتضي وجود ما هو معطّل بالكلّية في التأثير والمدخلية في الوجود ، مع انّهم يدّعون أن لا معطّل في وجود العالم ولا مهمل في نظام الخير.
فان قيل : دليل ثبوت العقل ليس هو الافتقار إليه لأن يكون علّة أو شرطا لوجود العالم الجسماني حتّى إذا بطل ذلك حكم بعدم وجوده ، بل الدليل عليه هو وجوب المناسبة بين العلّة والمعلول وعدم جواز صدور غير الواحد عن الواحد. ولما دلّ البرهان على وجوده (١) وكان مقتضى البرهان أن لا يكون معطّلا في الوجود ـ وإلاّ لم يتصحّح به وجوب المناسبة وصدور الواحد عن الواحد ـ حكم بكونه واسطة بين الواجب والعالم الجسماني بالعلّية والشرطية ، وصحّح ذلك بأحد الوجوه المذكورة لئلاّ يرد لزوم التخلّف ؛ / ٥٠DB /
قلت : لو سلّم تمامية الدليل المذكور على وجوب صدور الواحد البسيط منه ـ تعالى ـ وعدم امكان صدور غير الواحد عنه يجوز أن يكون ذلك الواحد هو الصورة دون العقل ، ودليلهم على امتناع كونه هو الصورة ليس بتمام ـ كما لا يخفى على من تأمّل كلام الشيخ في إلهيات الشفاء ـ. ولو سلّم امتناعه ووجوب كونه هو العقل نقول : لم لا يجوز أن يكون حادثا ويتوسّط بين الواجب والعالم الجسماني؟ ، ولا دليل تطمئنّ إليه النفس على قدمه ، بل الدليل قائم على خلافه ـ كما تقدّم ـ ؛ مع اعتضاده بكلمات اصحاب الوحى ، فلا مانع من كون العقول حادثة وكونها وسائط بين الواجب والعالم الجسماني.
قيل : ولا يبعد أن يكون مراد المحقّق الطوسيّ ـ رحمهالله ـ من قوله : « وأمّا العقل فلا يثبت دليل على امتناعه (٢) » ، عدم ثبوت دليل على امتناعه مطلقا ـ أى : قديما كان أم حادثا ـ لا قديما ، لأنّ اجماع الأنبياء والمليّين والأخبار المفيدة للعلم ثابتة
__________________
(١) الاصل : ـ على وجوده.
(٢) راجع : كشف المراد ، ص ١٣٠.