لا قبل ذلك ، لأنّ أجزاء العالم ومصلحته انّما كان بأن يوجد في هذا الوقت دون غيره ، فقبل ذلك لم توجد المصلحة وبعد وجودها لم يتخلّف العالم.
الخامس : مذهب جمع آخر من المتكلّمين ـ ومنهم المحقّق الطوسي كما نسب إليه الاكثرون ـ ؛ وهو : انّ الداعي العلم بالمصلحة (١).
والجواب عن الايراد المذكور عن هذا المذهب يظهر ممّا ذكر.
وقد ظهر انّه على المذهب الأوّل لم يتخلّف / ٤٩DA / العالم عن الواجب اصلا ؛ وعلى الثاني التخلّف / ٥١MB / لعدم الإرادة ؛ وعلى الثالث التخلّف لعدم تحقّق الوقت الّذي يمكن للعالم أن يقبل فيه الوجود ؛ وعلى الرابع التخلّف لعدم وجود المصلحة في ايجاد العالم قبل الوقت الّذي وجد فيه ؛ وعلى الخامس لعدم العلم بالمصلحة ، بل للعلم بعدمها في ايجاده قبل ذلك.
ثمّ الحق انّ القول بأنّ المرجّح هو المصلحة الراجعة إلى العالم والقول بأنّ المرجّح هو العلم بالأصلح ليسا قولين متغايرين ، بل مآلهما واحد ، فيرجعان إلى قول واحد.
فانّ من ذهب إلى انّ الداعى هو المصلحة اراد أنّ الواجب ـ سبحانه ـ لعلمه باقتضاء المصلحة اختصاص حدوث العالم بوقته المعيّن أوجده فيه بالقدرة والاختيار ، فيمكن أن يسند التخصيص إلى المصلحة وإلى العلم بها ، والمآل واحد. ولذلك تارة يقولون : المرجّح هو المصلحة ، وتارة يقولون : هو العلم بالمصلحة ، تعويلا على الظهور. فليس مذهب القائل بعلّية المصلحة غير مذهب القائل بعلّية العلم بها ـ كما نصّ عليه جماعة من الأفاضل ـ ؛ هذا.
وقد أجاب بعض الاعلام المتأخّرين عن الايراد المذكور : بأنّ التخلّف عن العلّة التامة انّما يلزم ويستحيل إذا كانت العلّة التامّة موجودة في زمان موجود أو موهوم لم يوجد المعلول فيه بعد ، ولا يتصوّر ذلك إلاّ بأن يكون تلك العلّة أو بعض اجزائها وشرائطها زمانية ، والله ـ تبارك وتعالى ـ من حيث ذاته وصفاته الحقيقية منزّه عن أن
__________________
(١) راجع : الشرح الجديد ، ص ١٨٦ ؛ الحكمة المتعالية ، ج ٦ ، ص ٣٢٥ ، ٣٣١ ؛ علم اليقين ، ج ١ ، ص ١٠٢ ؛ شرح المقاصد ، ج ٤ ، ص ٩٧ ؛ تلخيص المحصّل ، ص ٢٠٧ ؛ الأربعين ، ج ١ ، ص ١٧٩ ؛ المطالب العالية ، ج ٤ ، صص ٤٨ ، ٦٥.