مسئلة مهمّة
ذهب المليون إلى عموم قدرة الله ـ تعالى ـ ؛ أي : كون قدرته عامّة شاملة لجميع الممكنات ... وهذا العنوان وإن كان مجمعا عليه إلاّ أنّه يحتمل احتمالات لا بدّ من ذكرها والاشارة إلى أنّ أيّ الاحتمالات هو المقصود.
الأوّل : أن يكون المراد منه انّ قدرته ـ تعالى ـ شاملة لجميع الممكنات الموجودة ـ أي : جميع الموجودات مستند إلى قدرته وارادته بلا واسطة غيره تعالى ـ.
الثانى : أن يكون المراد انّ جميع الموجودات مستند إلى قدرة الله ـ تعالى ـ ، سواء كان بلا واسطة أو بواسطة.
الثالث : أن يكون المراد انّ جميع ما هو ممكن بالامكان الذاتي مقدور له ـ تعالى ، أي : انّه تعالى يقدر على ايجاده بلا واسطة أو بواسطة ـ ، فجميع الممكنات الموجودة مستند إليه بلا واسطة أو بواسطة ، وجميع الممكنات المعدومة ـ أي : ما هو ممكن في حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر ، سواء وجد في وقت أو لا يوجد لأجل مصلحة ـ مقدور له بواسطة أو بدونها ، ويمكن له ـ تعالى ـ ايجاده بالنظر إلى ذاته.
الرابع : أن يكون المراد انّه ـ تعالى ـ يقدر على ايجاد كلّ ممكن ذاتى بلا واسطة غيره ، مثلا يقدر على ايجاد حركة زيد بلا توسّط زيد ، فالموجودات بأسرها واقعة بقدرته ـ تعالى ـ بلا واسطة والممكنات المعدومة مقدورة له بلا واسطة أيضا.
وإذ عرفت ذلك فاعلم! انّه لا ريب في أنّ الاحتمالين الأوّلين غير مقصودين لاحد من العنوان المذكور ، لأنّه بعد اثبات التوحيد وحدوث العالم بأيّ معنى كان يثبت استناد جميع الموجودات إليه ـ تعالى ـ بلا واسطة شيء أو بتوسط بعض الأسباب والشرائط المنتهية إليه ـ تعالى ـ بالنسبة إلى بعض الوجودات ، بل يثبت احد هذين الاحتمالين من ادلّة اثبات الصانع البتة ، ولا حاجة إلى تجشّم استدلال آخر. مع أنّهم ذكروا لاثبات هذا العنوان ادلّة على حدة ، فتعيّن أن يكون المراد أحد الاحتمالين الآخرين.
فنقول : الاحتمال الأخير هو مراد الأشاعرة من العنوان المذكور ، فانّهم يفسّرونه