زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف لانتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبلية. وليس هذا اثبات الزمان الموهوم كما ليس هناك اثبات المكان الموهوم.
فان قيل : لمّا كان الواجب قبل الزمان موجودا فيجب أن ينتزع منه شيء ممتدّ بامتداد بقائه وليس فوق المكان شيء موجود حتّى ينتزع منه المكان الموهوم ، فثبت الفرق ؛
قلت : الواجب ـ تعالى شأنه ـ كما هو متعال عن المكان فهو متعال عن الزمان أيضا. فكما انّ وجوده في الخارج لا يوجب انتزاع مكان موهوم منه ، فكذلك لا يوجب انتزاع زمان موهوم عنه ، والفرق تحكّم. وكيف يمكن أن ينتزع مثل هذا الشيء الغير المتناهي الممتدّ المتفصّي المتصرّم المتجدّد منه ـ تعالى ـ ، مع أنّ التناهي واللاتناهي والتفصي والامتداد ـ وما شأنه ذلك من الصفات ـ من خواصّ المقادير والكميات ولوازمها ، فيكون هذا الزمان مقدارا ، والمقدار كيف يكون محلّه ذات الواجب ـ تعالى ـ مع تجرّدها ووحدتها الحقّة؟! ، فانّ محلّ المقدار لا بدّ أن يكون جسما أو جسمانيا. فاذا استحال أن يكون محلّه ذات الواجب فيلزم أن يقوم بمحلّ آخر ، فان كان هذا المحل عرضا فلا بدّ من الانتهاء إلى محلّ جوهري قائم بذاته دفعا للدور والتسلسل ، فيلزم وجود ممكن قديم.
فان قيل : / ٤٦MA / لا ريب في أنّ ذاته ـ تعالى ـ من حيث هو لا يمكن أن يكون منشئا لانتزاع هذا الأمر الممتدّ ، بل انّما يتوهّم هذا الامتداد من توهّم بقائه ـ تعالى ـ ، فبقائه ـ تعالى ـ مقتض لهذا الامتداد بمعنى أنّ هذا الامتداد منتزع من ذات الله ـ تعالى ـ باعتبار بقائه وأزليته ؛
قلنا : إن اريد بالبقاء دوام وجوده ـ تعالى ـ وسرمديته فهذا لا يوجب الامتداد ، لأنّ الامتداد انّما هو لازم لدوام وجود المتغيرات ودوام الذات الثابتة الّتي لم يسبقها عدم لا يوجب ثبوت الامتداد لها ـ لأنّ وعائها السرمد لا الزمان ـ ؛ وإن اريد به ما هو نفس هذا الامتداد فنقول : البقاء في الواجب ليس بهذا المعنى ، بل لا يجوز ان يثبت له