الوجود والاعدام راجعة إلى العدم ، ومنبع الوجود هو الواجب ـ تعالى ـ ومنشأ الشرّ هو العدم ؛ ولا يلزم حينئذ شرك ـ كما مرّ في تأويل مذهب المجوس ـ. وعلى هذا يكون مرادهم من الخير والشرّ في شبهتهم : الوجود والعدم ومن الخيّر والشرّير : فاعل الوجود والعدم. فتقرير شبهتهم حينئذ : انّا نرى في العالم تحقّق الموجودات والاعدام والواحد لا يكون خيّرا شرّيرا ـ أي : فاعلا لهما ـ ، فيجب أن يتحقّق مبدءان. ثمّ لمّا وجب أن يكون فاعل الوجود وجودا وفاعل العدم عدما البتة فلو كان الفاعل لهما شيئا واحدا يلزم أن يكون خيرا محضا وشرّا محضا ، لأنّ الوجود خير محض والعدم شرّ محض. وبذلك يندفع ما لعلّه يقال : « انّه لمجرد تحقّق الوجودات والأعدام في العالم لا يلزم أن يكون شيء واحد ـ لو كان هو المبدأ ـ خيرا محضا وشرّا محضا ».
ثمّ كون الشيء الواحد خيرا محضا وشرّا محضا ـ أي : وجودا وعدما ـ بديهى البطلان ؛ ولذا قالوا : الواحد لا يكون خيّرا وشرّيرا ـ أي : خيّرا محضا أو شرّيرا محضا ـ. ولا يحمل الخيّر في شبهتهم على من يغلب خيره على شرّه ، والشرّير على من يغلب شرّه على خيره ـ كما ينبئ عنه ظاهر العبارة ـ. ولم يرد على هذا الحمل : انّ ذلك غير لازم ممّا ذكر ـ أي : لزوم كون الواحد بحيث يغلب خيره على شرّه وشرّه على خيره غير لازم من دليلهم ـ ، لأنّهم قالوا : نجد في العالم خيرا / ١٠٩MB / كثيرا وشرّا كثيرا ، وهذا لا يستلزم أن يكون كلّ واحد من الخير والشرّ غالبا ومغلوبا حتّى لو كان الفاعل لهما واحدا كان كلّ واحد من خيره وشرّه غالبا. لانّه يجوز أن يكونا متساويين في الكثرة أو أحدهما فقط غالبا. فلم يلزم من دليلهم ثبوت العلّية بهما معا حتّى يراد من الخير من يغلب خيره ومن الشرّ من يغلب شرّه على خيره. فتعيّن ـ كما اوردنا ـ أن يراد من الخير والشرّ : الخير المحض والشرّ المحض ـ بالتوجيه الّذي ذكرناه ـ. ولو لم يحمل الخيّر والشرّير على ذلك لتوجّه المنع على قولهم : الواحد لا يكون خيّرا وشرّيرا اذ لقائل أن يقول : يجوز أن يكون شيء واحد مبدأ للخير والشرّ ، إمّا بالتساوي أو مع غلبة أحدهما. وعلى ما ذكر من التأويل لكلامهم يكون كلامهم مرموزا ، فما يرد عليهم وإن كان متوجّها على ظاهر أقاويلهم الاّ أنّه لا يرد على