وبذلك يظهر انّه لا معية بين الواجب وبين العالم بوجه أصلا ؛ أمّا بحسب الذات والوجود والشرف فلأنّه ـ تعالى ـ علّة العالم ، فهو أقدم على كلّ ما سواه بمحض ذاته ووجوده والاشرف لغيره إلاّ منه ؛ وأمّا بالمكان والزمان فلأنّه خارج عنهما محيط بهما ، فلا يوصف بهما بمعية وغيرها ، إذ الاتصاف بهما بمعية وغيرها يتوقّف على توهّم كونه فيهما ، وقد علم بطلانه.
وأورد عليه : بأنّ القول بالامتداد المذكور ليس إلاّ ليصحّح تحقّق العدم قبل الوجود ، وقد صحّ ذلك ، ومرادهم من تخلّف العالم عن الحقّ ـ سبحانه ـ ليس إلاّ ذلك لا انّه كان الواجب في وقت لم يكن العالم فيه حتّى يقال : انّ الواجب بريء عن الكون في الوقت ، فلا يصحّ ذلك. على انّه يمكن القول بمقارنة وجوده ـ تعالى ـ للوقت ، فحينئذ يتصحّح التخلّف بهذا المعنى أيضا. وبالجملة : انّا لا نقول انّه لا يجب أن يكون زمان يصحّ أن يقال : كان الواجب فيه ولم يكن العالم حتّى يرد ما ذكرت ، بل الغرض انّه يتحقّق انفصال بين الواجب والعالم وتصحّ فيه قولنا : كان الواجب بالمعنى الّذي تصح الآن ولا يكون العالم فيه. على أنّ الظاهر أنّه كما يقال في الأجسام انّه زماني بمعنى أنّ وجوده مقارن لوجود الزمان يصحّ ذلك في شأن الواجب ـ تعالى ـ أيضا ، اذ يصدق انّ وجوده مقارن لوجود الزمان نفسه ؛ فلا يصحّ أن يقال : انّه زماني بمعنى أنّ وجوده ينطبق على الزمان مثل الحركة ، ولا يصحّ ذلك في الجسم أيضا ؛ انتهى.
وفيه : انّ تحقّق العدم أيّ حاجة له إلى هذا الامتداد؟ ، بل هو مناف لحقيقته ـ كما مرّ ـ ، والعدم بنفسه يصلح للفصل والتخلّف والانفصال (١) ـ كما يأتي ـ. فإذا كان نسبة الواجب إلى جميع اجزائه على السواء ولم يفتقر إليه في تصحيح التخلّف والانفصال كان القول بوجوده باطلا.
فان قيل : إذا اتصف العدم في نفس الأمر بانّه سابق على الوجود سبقا غير ذاتي فيكون محتاجا إلى وعاء وطرف يكون فيه ، ويتصف لا محالة بالتقدّر والتكمّم وغيرهما ، وكونه سابقا عليه بدون ذلك لا يقدر على تعقّله ؛
__________________
(١) الاصل : ـ الانفصال.