بأنّ ما سوى الذات والصفات من الموجودات واقعة بقدرته وارادته ابتداء بلا توسّط موجد غيره ، وكلّ ممكن الوجود بذاته فانّما يمكن صدوره عنه بحيث لا يجب عليه شيء ولا يمتنع عليه شيء. نعم! عادة الله جارية بايجاد بعض دون آخر. والاحتمال الثالث هو مراد المحقّقين من المتكلّمين والحكماء من العنوان المذكور ، فانّهم قالوا : انّه ـ تعالى ـ من حيث ذاته وقدرته الكاملة قادر على ايجاد كلّ ممكن ذاتي ، لكن ارادته وعنايته متعلّقة بنظام الكائنات على الوجه الأكمل الأصلح بحال مجموع الممكنات ، والقوابل مستعدّة حسب مشيته لقبول بعض انحاء الموجودات دون بعض. فكلّما يدخل من الممكنات في الوجود فانّما هو على وفق مشيته وعنايته وملاحظته / ٨٦DA / لنظام الخير ، إمّا بالذات ـ كالخيرات ـ أو بالعرض ـ كالشرور والآفات ـ ، وجميعها مستندة إليه ـ تعالى ـ. ولا يدخل في الوجود شيء إلاّ وهو معلول قدرته وإن كان بوساطة اسباب راجعة إليه. وليس شيء من تلك الوسائط مضادّا له في حكمه ومنازعا له في سلطانه. وكلّما لا يدخل في الوجود من الممكنات فانّما هو أيضا لأجل عنايته وعلى وفق مشيته وملاحظته للنظام الأصلح ، ولكنّها مقدورة له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته الكاملة وقدرته الشاملة ، إمّا بلا واسطة أو بتوسّط اسباب راجعة إليه ـ تعالى ـ. فهو قادر على ايجاد ما لم يوجد ولن يوجد من الممكنات من حيث ذاته ، إلاّ أنّ عدم ايجاده لأجل العناية وملاحظة نظام الخبر ـ كما يقولون في سائر الممتنعات الواقعة في نظام الكلّ ـ.
ثمّ لمّا كان حديث العادة الّذي يثبته الأشعري باطلا عندنا ـ بل كلّ من ايجاد بعض الممكنات وعدم ايجاد بعض آخر هو لأجل المصلحة وملاحظة نظام الخير ـ ، فالمتعيّن من العنوان المذكور هو إرادة أنّ ذاته ـ تعالى ـ من حيث هو قادر على ايجاد جميع الممكنات الذاتية سواء كان بلا واسطة مطلقا أو بتوسّط بعض الاسباب لبعض الممكنات من حيث جهاتها المستندة إليه ـ تعالى ـ ، إلاّ انّ المصلحة الراجعة إلى نظام الخير اقتضت ايجاد بعض الممكنات ـ وهو ما وجد ويوجد وعدم ايجاد بعض آخر وهو ما لم يوجد ولن يوجد اصلا ـ. فكما انّ ايجاد كلّ من الممكنات الموجودة / ٩٠MB / في وقت دون وقت آخر معلّل بالعلم بالمصلحة وملاحظة نظام الكلّ ، فكذلك ايجاد بعض الممكنات