يمكن له ـ تعالى ـ فهو متّصف به بالفعل ، فاذا كان الصدور واللاصدور ممكنين له ـ تعالى ـ يلزم أن يكون له ـ تعالى ـ في كلّ وقت قوّة أحدهما ويكون أحدهما في كلّ وقت بالنسبة إليه ـ تعالى ـ بالقوّة ، وهو باطل ؛
والجواب : انّ المراد بانّ كلّ ما للواجب هو بالفعل : انّ كلّ صفة كمالية له ـ تعالى ـ ثابتة له ـ تعالى ـ بالفعل وليست له بالقوّة ـ بمعنى أن لا يوجد له في وقت ويحصلها في وقت آخر ـ ، ولا ريب أنّ القدرة بمعنى صحّة الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذاته الاقدس صفة كمالية له ـ تعالى ـ ، لانّ القادر على الفعل والترك أشرف ممّن لا يقدر على أحدهما ، وهو ظاهر بيّن ؛ فيجب أن تكون تلك الصفة ثابتة له في كلّ وقت بالنظر إلى ذاته. فلو وجب بالنظر إلى ذاته الفعل أو الترك فقط يلزم أن يكون موجدا لكلّ فاقد لتلك الصفة الكمالية ، بل عاجزا ، لأنّ الفرض حينئذ عدم اقتداره على الفعل أو الترك واقتداره على كلّ واحد منهما لا ينثلم به فعلية صفاته وكمالاته ولا ينقدح به فاعليته التامّة ، لأنّ لزوم الفعل دائما بالنظر إلى الذات من غير اقتدار على الترك ليس من الصفات الكمالية ، بل هو نقص ما هو صفة كمالية ـ اعني : الاقتدار عليهما معا حاصل / ٣٥DA / له بالفعل والفاعلية التامّة أن يوجد مع الإرادة والمشية ، لا بدونهما ـ.
ثمّ بعض الأعاظم قال في تقرير الايراد المذكور : انّ الامكان المذكور ـ أي : الامكان بالنظر إلى الذات ـ إمّا وصف للفاعل بأن يكون الفاعل ممكن الفاعلية واللافاعلية ، أو وصف للمفعول بأن يكون المعلول ممكن الصدور وممكن اللاصدور بالنظر إلى ذاته ؛ وكلاهما باطل عند الحكماء ؛
أمّا الأوّل فلانتفاء الجهة الامكانية عن الواجب ـ تعالى شأنه ـ عندهم ، فانّهم قالوا : واجب الوجود بالذات واجب الوجوب من جميع الجهات ؛
وأمّا الثاني : فلأنّه لو كان كذلك لزم أن يكون كلّ فاعل مختارا وكلّ فعل مقدورا ، لأنّ افعال الفواعل الموجبة أيضا ممكنة الصدور واللاصدور ، لأنّ كلّ معلول ممكن لا ينفكّ عنه الامكان الذاتي.