الخلاف متحقّقا بين العقلاء فلا بدّ أن يكون بين المعتزلة ـ. القائلين بكون قدرة العباد مؤثرة ـ.
وما قيل : من أنّه يجوز أن تكون القدرة الكاسبة متحقّقة قبل الفعل وأيّ دليل على وجوب مقارنتها له؟! ، كلام حال عن التحصيل ، لأنّ من أثبت القدرة الكاسبة لا يقول بثبوتها قبل الفعل ، بل يقول بان عادة الله جارية بايجادها مقارنة للفعل.
ثمّ تحقيق الحقّ في النزاعين على أصول أهل الحقّ ـ : الّذين يثبتون لقدرة العباد تأثيرا ـ : انّه إن اريد بالقوّة القوّة الّتي هي مبدأ التأثير ـ سواء كان مع جميع شرائط التأثير في الفعل أولا ـ كان متحقّقا قبل الفعل ومعه ، وكان تعلّقها أيضا بالطرفين على السواء ؛ وإن اريد بها القوّة الّتي تكون مع شرائط التأثير لم يتحقّق إلاّ مع الفعل ولم يكن متعلّقا إلاّ بالطرف الواقع وإلاّ لزم التخلّف. ومراد الاشعرية من القدرة في قولهم : « القدرة متعلّقة بالطرف الآخر وإلاّ لزم وقوع الطرفين » هو القدرة بهذا المعنى.
وإن أريد بها القوّة الناقصة الّتي تشترط معها عدم تحقّق جميع شرائط التأثير لم تتحقّق إلاّ قبل الفعل ولم تتعلّق بشيء من الطرفين. قال بعض الأعلام : وإلى الثالث أيضا ذهب بعضهم كما يعلم من عبارة بعض ـ أي : ذهب بعضهم إلى القدرة الناقصة ، يعني : اعتبر في القدرة عدم تحقّق جميع شرائط التأثير ـ. وأيضا الدليل الأوّل من الأدلّة الّتي نقلناها من المعتزلة لا ثبات تقدّم القدرة كان دالاّ على أنّ بعضهم اعتبر في القدرة عدم تحقّق جميع شرائط التأثير ، لأنّ حاصل الدليل المذكور انّ القدرة يلزمها كونها محتاجا إليها الفعل والفعل عند الحصول لا يحتاج إلى القدرة. ولا ريب في أنّ القدرة إذا لم تتحقّق مع الفعل والموجود من القدرة لا يكون الحاصل إلاّ قبل الفعل ، فيكون قدرة ناقصة لم يتحقّق معها جميع شرائط التأثير.
وأنت تعلم انّ هذا الدليل لا يفيد هذا المطلوب ، لأنّه يمكن أن يكون مراد المستدلّ : أنّ القدرة يلزمها كونها محتاجا إليها في الجملة ، وعند حصول الفعل لا حاجة إليها ، فلو لم يتقدّم على الفعل لم يكن حاجة إليها اصلا. وحينئذ فيجوز تحقّقها وقت الفعل أيضا ، لكن لا تكون حاجة إليها ، لا أنّه يلزمها كونها محتاجا إليها في جميع أوقات