تساهلوا في تعابيرهم لم يكن منافيا لمّا أسّسوه وبنوا عليه مسائلهم (١) ؛ انتهى.
وقال الفخر الرازي في المباحث المشرقية : الحقّ عندي انّه لا مانع من استناد كلّ الممكنات إلى الله ـ تعالى ـ ، لكنّها على قسمين ، منها : ما امكانه اللازم لماهيته كاف في صدوره عن الباري ـ تعالى ـ ، فلا جرم يكون فائضا عنه ـ تعالى ـ من غير شرط ؛ ومنها : ما لا يكفي امكانه بل لا بدّ من حدوث أمر قبله ليكون الأمور السابقة مقرّبة للعلّة الفائضة إلى الأمور اللاحقة ؛ وذلك انّما ينتظم بحركة دورية. ثمّ انّ تلك الممكنات متى استعدّت استعدادا تامّا صدرت عن الباري ـ تعالى ـ وحدثت عنه ولا تأثير للوسائط اصلا في الايجاد ، بل في الاعداد ؛ (٢) انتهى.
والحاصل انّ عبارات الفلاسفة متطابقة على انّ افاضة الوجود / ٦٤DB / على كلّ موجود انّما هو من الواجب الحقّ وان كان بعض الموجودات متوقّفا في افاضة الوجود عليه من الواحد الحقّ على شروط ومعدات ، وتلك الشروط والمعدّات هي الوسائط في الافاضة بمعنى انّ الافاضة من الواجب على بعض الموجودات يتوقّف على تخلّل تلك الوسائط ، لكون ذوات هذه الموجودات وماهياتها ناقصة قاصرة غير قابلة لافاضة الحقّ الأوّل بلا وسائط ، لا أنّ تلك الوسائط هي المقتضية للوجود. فمرادهم بما يقولون احيانا : انّ العقل الأوّل مثلا علّة للعقل الثاني والثّاني للثالث وهكذا : ما ذكرنا.
قال بعض أهل التحقيق : لمّا ثبت انّ مفيض الوجود لا يكون إلاّ الواجب ـ جلّ شأنه ـ وانّ الامكان علة للاحتياج إلى الواجب بالذات لا علّة مطلقة ـ كما قال بعض أهل التحقيق : انّ الامكان وإن كان علّة للحاجة إلى علّة ما في بادي النظر إلاّ انّ بعد الفحص وتعمّق النظر ينكشف انّ الامكان علّة للاحتياج إلى واجب الوجود بالذات ـ فاعلم! انّ سلسلة الممكنات المترتّبة إذا لوحظت باعتبار أنّ كلّ واحد واحد منها بحسب جوهر ذاته الممكنة مجعول الواجب بالذات يكون بهذا الاعتبار سلسلة عرضية ، وجميع آحاد تلك السلسلة متساوية في الفاقة والاستناد إليه ـ جلّ شأنه ـ ابتداء
__________________
(١) راجع : شرح الاشارات المطبوع مع المحاكمات ج ٣ ص ٢٤٩ ؛ شرحي الاشارات ج ٢ ، ص ٤٧.
(٢) راجع : المباحث المشرقيّة ج ٢ ص ٥٠٧.