وأورد عليه : بأنّ الاستدلال بالعقول على وجود الواجب هو الاستدلال بطريقة الامكان ، لأنّ حاصله أن العقول ممكنة فلا بدّ لها من علّة تنتهى إلى الواجب دفعا للدور والتسلسل ، فبعد التطويلات والتمسّك بالمقدّمات الكثيرة من ابطال كون حركات الأفلاك قسرية وطبيعية واثبات كونها ارادية وشوقية وغير ذلك لا بدّ أن يتمسّك بطريقة الامكان مع الوجود ـ وهي طريقة مستقلّة لاثبات الواجب ـ ، فمعها أيّ حاجة إلى هذه التطويلات والتمسّك بمقدّمات تشكل اثبات أكثرها؟ ؛ وعلى هذا لا تكون طريقة الطبيعيين طريقة على حدة.
أقول : مثل هذا الايراد لا مدفع له وإن قطع النظر عن حقية وجود العقول ، لأنّه مع قطع النظر عنه يمكن أن يقال : لم لا يجوز أن تكون الغاية لتلك الحركات موجودا واحدا أو أكثر غير واجب؟ ، فلا بدّ من التمسّك بطريقة الامكان مع الوجود. ويظهر أنّ هذه الطريقة ـ كطريقتهم الأولى ـ لا يسمن ولا يغني من جوع ، فانّ حاصل هذه الطريقة ـ على ما قرّرناه ـ انّ الحركات السماوية ان كانت متناهية فتكون الأفلاك حادثة ، فلا بدّ لها من محدث ؛ فان كان واجبا ثبت المطلوب وإلاّ انتهى إلى الواجب دفعا للدور والتسلسل ، وإن كانت قديمة فلا يجوز أن تكون طبيعية ـ لمّا مر ـ ولا قسرية ـ لما مرّ ـ ، ولانّه لو كان لها قاسر غير جسماني لا ينتهى إلى الواجب دفعا للدور والتسلسل ، فثبت أن تكون ارادية. فلا بدّ لها من فاعل وغاية ، وفاعلها النفوس الفلكية وغايتها التشبه بالعقول ، وثبت منها وجود الواجب ـ تعالى شأنه ـ.
وأنت تعلم انّه لا بدّ في أكثر شقوق هذا الدليل من التمسّك بوجود المحدث أو الممكن والاستدلال على الواجب ـ تعالى ـ ببطلان التسلسل ، إلاّ أن يقال : لمّا ثبت منها وجود العقول فثبت منها وجود الواجب من دون الافتقار إلى ابطال التسلسل ، لانّ موجد العقل الأوّل ـ وهو المؤثّر في وجود الفلك الأوّل ـ لا يمكن أن يكون غير الواجب بالذات لبساطته الصرفة وعدم تكثر / ٣١MA / الجهات فيه ؛ وهو كما ترى.
ثمّ لا يخفى انّ هذه الطريقة وان لم تكن مستقلّة وطريقة على حدة في اثبات الواجب ـ تعالى شأنه ـ إلاّ انّه ثبت به وجود ما هو أعلى وأشرف من الفلكيات ممّا