للافلاك متعدّدة بقدر عددها حتّى يصدر عن كلّ واحد واحد. وهي العقول المجردة الّتي أثبتها الحكماء وقالوا : أنّها فواعل الجواهر السماوية. ويجب أن تختلف هذه العقول بالنوع لأنّ الكثرة بالعدد لا يتصوّر في حقّ نوع واحد إلاّ بكثرة المادّة والاستعدادات ، فغير المادّي لو تكثّر فانّما يتكثّر باختلاف النوع بتعدّد الفصول المتباينة. ولا يجوز أن يتكثّر بالعوارض لأنّ اختلاف العوارض الّتي تعرض لافراد نوع واحد انّما يكون لأجل موادّها الّتي يقبل حدوثها وتجدّدها وزوالها ، فاذا لم توجد مادّة لم يوجد عوارض فضلا عن اختلافها ـ لتساوي نسبتها إلى مجرّد النوع ـ.
وإذا ثبت أنّ / ٣٠DA / فواعل الافلاك هي تلك العقول القادسة المختلفة بالنوع نقول : الواجب أن تكون تلك العقول هي الغايات لحركة الافلاك بأن يتحرّك كلّ فلك لأجل التشبه إمّا بالعقل الّذي هو فاعله لأنّ التفات كلّ شيء في استكماله وطلبه الخير انّما هو إلى ما هو فاعله ، فلمّا تعدّد الفواعل بتعدّد الغايات للحركات ولذا اختلفت الحركات وتعدّدت الجهات فتكثّرت الحركات حسب تكثّر العقول ، فثبت أنّ المتشبّه به هو العقول دون الواجب ـ تعالى شأنه ـ. فلما ثبت من الدليل المذكور وجود الواجب ـ تعالى شأنه ـ.
وأجيب : بأنّ تلك العقول لكونها ممكنة محتاجة إلى علّة واجبة بالذات يثبت منها وجود الواجب ، فكما انّ مبدع الجميع وعلّة الكلّ هو الذات الأحدية الحقّة والعقول والنفوس وسائط فيضه ورحمته ـ وبلسان التصوّف جهاته العقلية وحجبه النورية الّتي لو كشفت لأحرقت شدّة ضياء سبحات وجهه كلّما انتهى إليه بصره ـ فكذلك المتشبّه به والمعشوق الحقيقي للكلّ والغاية الذاتية للجميع على الوجه الأعمّ ذات واحدة إلهية وإن كانت تلك العقول وسائط لطلبه ونيله ، ولذا اشتركت الأفلاك في مطلق الحركة الدورية. والتأمّل يعطى بأنّ العشق والطلب ـ اللّذان يصدران عن النفوس الفلكيّة بل عن كلّ شيء ـ انّما هو من فعل الباري ، فانّ مقتضى حكمته الكاملة وعلمه بالنظام الاصلح أن يودع في كلّ من الموجودات شوقا غريزيا وعشقا طبيعيا حتّى يصل لأجله إلى ما يستحقّه من الكمال والخير.