حينئذ ، انّما المحال صدوره عن الوجود المحض.
وأمّا لو لم يجز صدوره عن الوجود أصلا فالجواب بعد تسليم ذلك هو : انّ الشرّ إمّا شرّ حقيقي ـ وهو العدم الصرف والليس المحض ، كعدم ما لم يوجد ولا يوجد قطّ ـ ؛ أو شرّ اضافي ـ وهو الوجود المخلوط بالعدم ـ. والأوّل لا يحتاج إلى علّة موجودة ، إذ العدم المحض لا يصدر / ١٠٢DA / عن موجود أصلا بل علّته عدم مثله ـ أعني : عدم علّة الوجود ـ. والثاني وان احتاج إلى علّة موجودة إلاّ أنّ الاحتياج إليها من حيث جهة الوجود لا من حيث جهة العدم الّتي هي الشرّ ، فانّ القتل من حيث انّه قتل وجودى ـ أي : لا بدّ فيه من ايصال آلة قطّاعة محتاج إلى فاعل ـ. إلاّ أنّه من هذه الجهة ليس شرّا ، لأنّه لو كان مجرّد اتصال الآلة القطّاعة شرّا لكان ايصال السيف إلى الارض ضربة على الحجر والشجر شرّا ، وليس كذلك. ومن حيث انّه أمر عدمي ـ أي : يلزمه فقد الشخص وازهاق الروح ـ وإن كان شرّا إلاّ انّه من هذه الجهة لا يحتاج إلى علّة موجودة. وعلى هذا فدفع شبهة الثنوية انّ الشرّ الّذي هو العدم ليس صادرا عنه ـ تعالى ـ حتّى يلزم كون الواحد المحض خيّرا أو شرّيرا وكون الخير الصرف شرّيرا ؛ ولا يلزم وهن في عموم القدرة ، لأنّ المراد به انّ كلّ موجود يستند إليه. ولا يعتبر فيه استناد الاعدام أيضا إليه ـ سبحانه ـ ، كيف؟! والوجود المحض لا يناسب العدم مع انّ العدم يكفي في تحقّقه عدم علّة الوجود.
وأقول : لا ريب في أنّ أكثر ما يطلق عليه اسم الشرّ في العالم لا ينفكّ عن عدم ما بمعنى استلزامها لفقد وجود أو كمال ، وليست اعداما صرفة ونفيا محضا. لانّه لا يشكّ عاقل في انّ مثل القتل والضرب والغصب وحدوث الأمراض وغير ذلك أمور وجودية. نعم! عدم انفكاكها عن عدم لوجود أو فقد لكمال مسلّم واطلاق الشرّ عليها بهذه الجهة أيضا مسلّم ، إلاّ انّ عدم افتقار مثل هذا العدم من الأمر الوجودي وكفاية عدم علّة الوجود لتحقّقه ممنوع ، فانّه لا ريب في انّ ازهاق النفس وهتك الستر انّما ترتّب على اتصال الآلة القطّاعة واتصال عضو خاصّ بعضو خاصّ وهما وجوديان ، فاستند فقد الروح واعدام الستر إلى امرين وجوديين هما أيضا مستندان إلى علّة