لا انقسام ولا تجدّد ولا انقضاء فكذلك يجوز هاهنا أيضا بلا تفرقة اصلا ؛ انتهى.
وأنت تعلم انّ هذا الايراد في غاية الوهن والركاكة! ، لأنّه كيف يجوّز عاقل أن ينتزع من الوجود الاحدي الصرف الثابت المتعالي عن الزمان والحركة شيء سيال متجدّد ممتدّ؟! ، بل ما هو نفس الزمان بعينه ، لعدم الفرق بين هذا الزمان والزمان الموهوم بالحقيقة ـ كما اشير إليه ـ. ويدلّ عليه أيضا ما قال بعض المثبتين للزمان الموهوم : انّا لا نقول انّ عدم العالم كان في وعاء ممتدّ يتجدّد وينقضي كوجود زيد في الزمان ، بل هو كعدم زيد في زمان قبل زمان وجوده ، ولا تفاوت إلاّ بأنّ هذا الزمان يتبعّض بالليل والنهار ويتّصف بما شأنه ذلك من الصفات ، وليس ذلك فى ذلك الزمان ، وعلى هذا يلزم اعترافهم بكون الواجب محلاّ لمثل هذا الزمان (١). وأيّ عارف بالحقيقة الواجبية وصفاته الكمالية يتفوّه بمثل هذا الكلام ، والمتعالي عن التغير والحدثان والمتقدّس عن التجدّد والسيلان ومن هو (٢) صفاته وافعاله خارجة عن بقعة الزمان والمكان كيف ينتزع الأمر الممتدّ المتجدّد المتصرّم الواقعي النفس الأمري عن حاقّ ذاته الاقدس؟! ، أليس المناسبة بين المنتزع ـ الّذي هو المعلول ـ والمنتزع عنه ـ الّذي هو العلّة ـ لازمة؟! ، وأيّ مناسبة بين الثابت والمتغير والبسيط الحقيقي والمركّب من أجزاء غير متناهية وليس ذلك الزمان عرضا واقعيا نفس أمري؟!. فكيف يقوم بالوحدة الحقّة والبساطة الصرفة. أو لا يوجب ذلك تركّبا وتكثّرا في ذات الواجب ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا؟ ـ. ثمّ ما ذكره من التمثيل لا دخل له بالممثّل له ، وشتّان ما بينهما!. فانّ حركة الوسطيّة والآن السيّال ليسا أمرين ثابتين ، بل هما متجدّدان متصرّمان سيّالان يحدثان في الذهن أو الخارج على اختلاف الرأيين في الحركة والزمان ، ولو لم يكن لهما تجدد وسيلان لم يحدثا الحركة القطعية والزمان ، فيكون التغير والتجدّد والتصرّم من شرائط ارتسام الأمر الممتدّ السيال ، وهو واضح.
ثمّ الانصاف انّ المتكلّمين يقولون : انّ اتصاف عدم العالم السابق عليه بالتقدّر والامتداد وأمثالهما إنّما هو بالعرض باعتبار وعائه الّذي هو هذا الأمر الممتدّ المنتزع من
__________________
(١) الاصل : محلا بمثل هذا البرهان.
(٢) الاصل : هو من.