فلا بدّ من الانتهاء إلى مرجّح يكون الفعل معه واجبا ـ دفعا للتسلسل ـ ، فيكون الفعل اضطراريا.
والظاهر انّ عدول الأشعري عن أصله من جواز الترجيح بلا مرجّح في فعل العبد وعدم اكتفائه بمجرّد الإرادة فيه مع قوله بذلك في فعل الواجب لجموده على الظواهر الواردة من الشريعة الدالّة على أنّ كلّ شيء مخلوق من الله ـ تعالى ـ ؛ وهي معارضة بمثلها ـ كما لا يخفى ـ.
وللأشاعرة شبهة أخرى اندفاعها ظاهر ، وهي انّ العلم علّة للحادث ومفيد لوجوبه ، فافعال العباد معلولة لعلم الواجب وواجبة باقتضائه.
ووجه الاندفاع : انّ الله ـ تعالى ـ كان عالما في الأزل بما يفعله العبد فيما لا يزال ، ولكن علمه به لا يخرجه عن كونه اختياريا للعبد ، كما انّ من أعطى عبده سيفا وهو يعلم ما يصنع به العبد والعبد صرفه في قتل نفس مثلا لا يخرج فعل العبد هذا بعلم سيّده به من كونه اختياريا للعبد ، لأنّ معنى الاختيار أن تكون للعبد قوّة فاعلية صالحة للفعل والترك يقال لها : القدرة ، وقوّة أخرى علمية مدركة للنفع والضرّ والنفع والشرّ في جانبي ما يقدر عليه ، وقوّة أخرى ارادية باعثة يطيعها في فعل العبد القوّة المسمّاة بالقدرة بحيث متى انبعثت الإرادة لفعل أو ترك بحسب ما ادركته النفس بقدرتها الادراكية اطاعتها تلك القوة ففعلت أو تركت. ومعلوم انّ ذلك أمر لا ينافيه علم الله ـ تعالى ـ بما يقع أو لا يقع من الطرفين ؛ فان حصل وجوب بعد تصوّر نفع محروم أو مظنون وانبعاث إرادة عازمة فذلك وجوب عارض لاحق لا ينافيه امكان سابق.
وهذا الجواب صحيح عند المعتزلة ، لأنّ العلم عندهم تابع للمعلوم.
وأمّا عند الحكماء فالظاهر عدم صحّته ، / ٧٣MB / لأنّهم قالوا : انّ تعقّل الواجب لنظام الخير وبمثله وعلمه علّة لايجاده ، فوجود كلّ شيء عندهم معلول للعلم الواقعي الّذي عين ذاته ؛ فتأمّل!.
وممّا ذكرناه يعلم انّ حال تلك المسألة عجيبة ـ كما قاله فخر الدين الرازي ـ و