التفصي عمّا يرد على كلّ من المذاهب الّتي قيلت فيها مشكل ، إلاّ أنّا نعلم انّ ما هو الحقّ ويجب الاذعان به انّ المؤثّر بالذات ليس إلاّ الواجب بالذات ، لأنّ كلّ قدرة وقوّة حيثما كانت فائضة منه ـ تعالى ـ ، وهو ( الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) (١) والآثار كلّها تابعة للوجود وهو تابع للماهية وهي تابعة لجاعلها خارجة به من الليس إلى الأيس. فالوجود والشروط والأسباب والآلات و ـ بالجملة كلّما يتوقّف عليه وجود المعلولات عن الأفاعيل والحركات والسكنات وأصل القدرة والقوّة على كلّ فعل حتّى قوّة التخيل والتفكّر ونفس الإرادة كلّها ـ فائضة من مبدأ الموجودات. إلاّ أنّ القدرة لمّا كان شأنها ترجيح أحد الطرفين بمجرّد الإرادة بدون مرجّح آخر لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح بل مع مرجّح آخر وهو تصوّر / ٧٠DB / نفع محروم أو مظنون ناش عن القوّة العلمية المدركة للنفع والضرّ. ومثل هذا المرجّح لا يفتقر حدوثه إلى مرجّح آخر ، لكونه حسنا في نفسه أو باعتقاد العبد وأصلح له في الواقع أو باعتقاده يكون هذا الاختيار ـ أي : اختيار أحد الطرفين ـ مع مرجّحه الّذي هو التصوّر المذكور من العبد. فلو قيل له : لم اخترت الايمان دون الكفر؟ ، فله أن يقول : لكون الايمان حسنا وأصلح ؛ ولو قيل له : لم اخترت الحسن والأصلح؟ ، فله أن يقول : لأنّ ذات الحسن والأصلح يقتضي ذلك ، إذ العاقل لا يختار القبيح وغير الأصلح. ولو قيل للكافر : لم اخترت الكفر؟ ، فله أن يقول : لأنّ نفسي لا يرضى بالتابعية والانقياد لغيري!. فلأن قيل : لم لا ترضى بذلك؟ ، فله أن يقول : لأنّ عدم التابعية مطلوب عندي ؛ وهنا ينقطع الكلام. ولو قيل للزاني : لم اخترت الزنا؟ ، فله أن يقول : لالتذاذ نفسي ، ولو قيل : لم اخترت الالتذاذ؟ ، فله أن يقول : لانّه مطلوب في نفسه. ولو قيل لتاركه : لم اخترت الترك؟ ، فله أن يقول : لأنّي خفت من العذاب. فالوجوب واللزوم انّما يحصل بحسن الفعل وصلاحه في ذاته أو باعتقاد العبد. فينقطع التسلسل ولا ينتهي إلى ما هو من عند الله ليلزم الجبر ، ولا إلى ما تقتضيه الماهية ليلزم الاشكالات الضعيفة المذكورة المشهورة. فثبت انّ جميع الأسباب والشرائط وبالجملة غير اختيار أحد الطرفين من
__________________
(١) كريمة ٥٠ ، طه.